تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


كتابة للبقاء وأخرى للفناء

ثقافة
الخميس 15-4-2010م
محمود شيخ عيسى

ينتظر الكاتب ولادة الصحيفة ليرى بياض الحبر على سواد الصفحة، بمعنى أنّ الآية تنقلب تماماً فالحبر كان أسود اللون قبل أن يستلقي على صدر الحبيبة الصفحة، وبياض الصفحة انقلب سواداً بعد أن شعر بذنب التأخر في الصدور هذا التأخر للحظات عاشه الكاتب قروناً مفرطة في طولها وامتدادها.

هذا هو حال كاتب المقال الذي نشرته الصحيفة الحبيبة الأزلية التي نعشقها اليوم بجنون، ونشعر بارتياح كبير لجمالها إذا أثنى فلان على ما فيها من محاسن تستشفّها العين ويشيد بها اللسان،وننقضّ عليها انقضاضاَ عنيفاً إذا خذلنا القلم في تسطير مادة صحفية تثير قلوب وعقول القرّاء، وتنقطع أخبار الوساطة التي يقيمها القرّاء بين الكاتب والكتابة، ويرمي كلّ سفير أوراق اعتماده في وجه السفير الآخر، وتنقطع العلاقات الدبلوماسية بينهما لكنْ إلى حين قد يقصر وقد يقصر، ففي الحالتين لا يجد الطول مكاناً مناسباً للإقامة بينهما.‏

والمنطلق في عملية الصلح التي سرعان ما تتجمّع غيومها مؤذنة بغيث عميم معرفة كلّ من الكتابة والكاتب لنفسيّة الآخر ومدى تعلّقه بشقيق الروح وتوأم الجسد.‏

هناك بلا أدنى ريب عامل فعاّل إلى ابعد حدود الفاعليّة هو الحرص الخلاّق من قبل كلّ واحد على رفيق السهر والوجع والغمّ والهمّ، الحرص على السمعة المسكيّة الطيّبة التي بنيتْ بالكدّ والكدح، وتضافرت جهود كلّ واحد منهما للنهوض ببنيانها الشامخ الراسي.‏

هي لوحة رائعة الجمال تلك المادة الصحفيّة الفكرية التي يقدّمها الكاتب ويحرص على إبرازها مندوباً عن الفنّ الإبداعيّ الخالص، إنّه فنّ نشأ وترعرع في ضمير ووجدان الكاتب، وشقّ طريقه على الضياء مستعيناً بسواد الصحيفة.‏

تلك هي حكاية ذلك الفنّ الذي يولد ولادة النجم الصغير، ثمّ يجد السماء فسيحة رحيبة أمامه فيلوّن إشعاعه النضر ويرسله فيها، ويصبح ذلك الإشعاع فيما بعد علامة فارقة مضيئة في مسيرة الفنّ الذي نعني به الكتابة، وهي فنّ من أرقى الفنون.‏

ويتابع انطلاق هذه المسيرة المشرقة بخطوات تعرف الأمام جهة وحيدة لها.‏

وتبيّن بعد التألّق أنّ المقال النجم مازال يملك القدرة الكبيرة على نشر الضياء مبتعداً عن مهاوي الخمود.‏

ويرى الكاتب بعد استراحة محارب يريدها قصيرة أنّ كثيراً من النقاط الواردة في المادة التي قدّمها تلتقي مع تفكيره الذي يتبنّى فيزداد ارتباطه بها قوّة ووثوقاً.‏

وعلى هذا الأساس فإننا نوافق القائلين إنّ هناك مواد كتبت لتعيش في حياة صاحبها، بل وبعد رحيله عن هذه الدنيا الفانية، فالكتابة التي قدّمها صنعتْ في معمل البقاء، لأنه هيّأ لها لأسباب البقاء.‏

إنه باختصار ذلك الفنان الذي يحرص على خروج اللوحة التي تلد في عقله وقلبه بأبهى حلّة لتحظى بشرف العرض في معرض الروح قبل معرض الذاكرة بنت الجسد.‏

ويقابل هذه الكتابة كتابة أخرى يقدّمها من يدّعي القدرة على الكتابة جثّة هامدة ليس فيها أثر للحياة لأنه أرادها كتابة للفناء ، والفرق كبير بين كتابة وجدت لتبقى وسجّلت اسمها ( كتابة البقاء) ، وأخرى اختارت الرحيل قبل الولادة فسمّوها ( كتابة الفناء).‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية