وتكون الدول التي تدعي محاربة الإرهاب قد وضعت على محك الاختبار والتطبيق الفعلي لهذا القرار بعيداً عن سياسة المراوغة والمناورة والخداع.
غير أن هذا القرار الذي حمل الرقم 2199 ورغم موافقة جميع أعضاء مجلس الأمن عليه بالإجماع، وخاصة الأعضاء الدائمين دون أدنى اعتراض أو عرقلة أو حتى مماطلة (تحديدا الولايات المتحدة وحلفاؤها فرنسا وبريطانيا) يشكل في أبعاده صفعة ناعمة اضطرت واشنطن أن تقبلها على مضض لأنها أحوج ما تكون في هذه المرحلة تحديداً إلى من ينتشلها من عنق الزجاجة التي أوقعت نفسها فيها كنتيجة طبيعية لحماقاتها المتكررة ورهاناتها الخاسرة المستمرة على أدواتها، ذلك أن القرار الجديد يمنح الأخيرة مساحة وفسحة جديدة للمناورة والمداورة، تأمل أن تشكل لها رافعة تنتشلها من المأزق الذي وضعت نفسها فيها.
بالمحصلة فإن القرار الأممي الجديد يشكل في أبعاده انتكاسة جديدة لتلك الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول الغرب وجميع حلفائهم و أدواتهم في المنطقة والعالم، انطلاقا من أن هذا القرار سوف يفضح ويكشف المزيد من عوراتهم أمام شعوب العالم عموما وأمام شعوبهم على وجه الخصوص، في ظل تنامي الحراك الشعبي الغربي الرافض لسياسات حكوماتهم إزاء محاربة الإرهاب التي أثبتت فشلها الصارخ على الأرض وفقا لمعظم التقارير والتحليلات السياسية الصادرة من معظم مراكز الدراسات الأميركية والغربية التي أجمعت على فشل إستراتيجية الرئيس اوباما لمحاربة الإرهاب التي ليست إلا بروباغاندا هدفها تضليل الشعوب وتشتيت الانتباه وحرف البوصلة عن الأهداف والغايات الحقيقية للتحالف الأميركي من وراء هذه الحرب.
ما هو مؤكد أن القرار الأممي سوف يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته وخاصة تلك الدول التي تدعي محاربة الإرهاب، فيما هي خلف الكواليس تحتضنه وتدعمه وتوفر له كل السبل لإنمائه وإبقائه على قيد الحياة لكونه يمثل لها الذريعة والمبرر والمطية لتنفيذ وتحقيق أهدافها ومخططاتها ومشاريعها وفي مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة والغرب وحلفاؤهم وأدواتهم، بدءا من تركيا وصولا إلى دول الخليج ومن دار في فلكهم تلك الدول التي تضطلع بدور كبير في دعم وتمويل الإرهاب بشتى الطرق والوسائل.
لقد أجمع الكثير من المحللين والمسؤولين الدوليين على أن التحالف الذي شكلته أمريكا لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي ليس إلا كذبة كبرى،لان الأخيرة غير صادقة في مكافحة التنظيمات الإرهابية في المنطقة التي أوجدتها، وفي هذا السياق فقد أكد محللون أميركيون في شؤون الدفاع أن وزارة الدفاع الأمريكية تستغل ميزانية الحرب المزعومة ضد تنظيم داعش الإرهابي من أجل تخفيف الأعباء المتراكمة عليها نتيجة لتقليص الميزانية، موضحين أن مطلب تمويل الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي ما زال مرتفع القيمة لان الكونغرس و وزارة الدفاع الأمريكية يستخدمان هذا الحساب لتخفيف تأثير التقليص في الميزانية الذي بدا عام 2011 والذي يهدف إلى خفض الإنفاق المتوقع على الدفاع بنحو تريليون دولار على مدى عشر سنوات.
بالمحصلة تبقى العبرة بالتنفيذ والتطبيق وصدقية النيات ووجود إرادة سياسية حقيقية لمواجهة متغيرات الواقع، وهذا ما لن تستطيع أميركا ودول الغرب وحلفاؤهما التملص والتهرب من تنفيذه إلى ما لانهاية، حيث لابد في نهاية المطاف من مواجهة الحقيقة، وبالتالي فإن هذا القرار قد يكون بأبعاده الأهم والأبرز في قرارات مجلس الأمن حيال مواجهة الإرهاب كونه موجها إلى دول بعينها لا تزال تدعم وتحتضن وتمول وتدرب الإرهاب علنا وأمام الكاميرات وباعتراف مسؤولي تلك الدول – نستذكر هنا اعترافات نائب الرئيس الأميركي جو بايدن التي اتهم فيها بعض حلفاء بلاده من دول الخليج بدعم وتمويل الإرهاب، دون أن ينتبه أن هذا الاتهام والاعتراف يدين بلاده بالدرجة الأولى كونها صاحبة القرار وصاحبة الأمر والنهي على تلك الدول بالإضافة إلى كونها الداعم والحاضن الأساسي لها.