نجد الذرائع والمسوغات جاهزة عند المسؤولين الأميركيين وهي مكافحة الإرهاب وتخليص المنطقة والشعوب من شرور تنظيماته المتطرفة، واحتمال انتشارها على مستوى العالم، في حين تشير الوقائع إلى دعم غير مسبوق من واشنطن للتنظيمات الإرهابية بالسر والعلن واستخدام هذه الورقة من أجل العودة العسكرية المباشرة إلى المنطقة.
وتكاد الولايات المتحدة أن تعلن في كل مرة تريد فيها غزو دولة ما أنها تريد الحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي ومصالحها، ولكنها تلتف على الأمر وتزعم أنها جاءت من أجل محاربة الإرهاب، وتدعي أن انتشاره وارتداداته يشكلان سبباً بين مجموعة أسباب تجعل من الضروري مواصلة انخراطها في منطقة الشرق الأوسط، ولا تجد حرجاً في دعوة روسيا إلى التعاون للتوصل إلى حل أزمات المنطقة وخصوصاً في سورية والعراق، وتعطي البراهين على وجود إمكانية لهذا التعاون وتؤكد أنه ليس هناك من حل عسكري للأوضاع هناك، مع أنها تمارس العكس على أرض الواقع .
وفي تناقض واضح لحقيقة السياسات الأميركية، يحاول مسؤولو الإدارة الأميركية أن يوهموا الرأي العام العالمي بأنهم يحاربون الإرهاب ويسعون إلى تجفيف منابع تمويله ودعمه بالسلاح، ويؤكدون أن غالبية الإرهابيين الذين يقومون بعمليات إرهابية في سورية والعراق أو يتمركزون في الخطوط الأمامية للقتال هم من الأجانب الذين تم تجنيدهم وتلقوا أوامر بارتكاب أبشع الجرائم، لكنهم جميعاً يتجاهلون عمداً الدور الذي لعبته بلادهم في دعم تلك التنظيمات في سورية والذي أدى إلى انتشار التطرف وظهور تنظيماته الإرهابية، ويتناسون عمداً أنهم سهلوا عبور هؤلاء إلى المنطقة عبر وكلائهم في المنطقة وفي مقدمتهم الحكومة التركية.
المفارقة المثيرة للضحك أن المسؤولين الأميركيين لا يتوقفون عن حث المجتمع الدولي على ضرورة عرقلة تدفق الإرهابيين الذين يتم تجنيدهم، لكنهم يعودون للقول إنه لابد من السماح بإعادة تأهيل أولئك الذين تم تضليلهم على حد قولهم أي أولئك الذين يندرجون تحت تسمية ( المعتدلين).
والأمر لم يتوقف عند العراق وسورية فقط بل نال العديد من البلدان العربية والشرق الأوسطية، وما فعلته الولايات المتحدة والغرب في ليبيا شاهد آخر حيث تم تخريبها وتكونت التنظيمات الإرهابية التي عششت في كل مناطقها، وانتقلت إلى خارج المنطقة أي إلى الدول الغربية بما فيها ضد الولايات المتحدة الأميركية نفسها، ما يؤكد عقم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الذي تحاول واشنطن تأجيج أزماته ونشر الفوضى الهدامة فيه طولاً وعرضاً ظناً منها أنها تحافظ على مصالحها.
باختصار إن سياسات الولايات المتحدة في المنطقة هي ما أوصل الوضع إلى مرحلة انتشار المنظمات الإرهابية المتطرفة فيها، ما يدل على تخبط الإستراتيجية الأميركية، وهو ما لا يخدم الدور الذي تدعيه أميركا لنفسها لأن دور القطب الأكبر هو في حفظ الأمن والسلام والعمل على التهدئة في البلاد وليس بدعم الإرهاب ونشر الفوضى الهدامة.