تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل ينتصب جدار برلين جديد في أوكرانيا ؟

عن : سبوتنيك
دراسات
الاثنين 16-2-2015
ترجمة: دلال إبراهيم

 في شتاء عام 1990 أطلق وزير الخارجية الأميركية  جيمس بيكر من موسكو وعده المثير للغاية. حيث إنه خلال وجوده في الكرملين أقسم ويده على قلبه خلال محادثات أجراها مع ميخائيل غورباتشيف أن التحالف العسكري الغربي لن يمد أذرعه نحو الشرق في حال وافقت موسكو على اندماج ألمانيا الموحدة في حلف الناتو.

ويعني هذا  على نطاق أوسع أن « الغربيين « لا يرمون لاستغلال انحلال حلف وارسو وانسحاب القوات السوفييتية من أوروبا الوسطى. وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية الألماني متوجهاً بكلامه إلى نظيره السوفييتي حينها ادوار شيفارنادزه. وفي وقت لاحق روى الرئيس الأميركي بيل كلينتون في كتاب أصدره عام 1997 أن بوريس يلتسين طلب منه الحد من توسيع الناتو المحتمل نحو الدول الأعضاء في حلف وارسو السابقين وأيضاً استبعاد دول الاتحاد السوفييتي السابقة مثل دول البلطيق وأوكرانيا.‏

وفي الوقت الذي كان فيه من المنتظر استكمال انهيار روسيا الحديثة تجلت القفزة الروسية قبيل الفوضى من خلال انتخاب شخصية معروفة تدعى فلاديمير بوتين الذي عمل خلال خمسة عشر عاماً منذ تسلمه السلطة ليس فقط على استعادة الاستقرار الداخلي وإنما الحفاظ أيضاً ما أمكن على العلاقة المعقدة بين روسيا وأسواقها القائمة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. في حين ذهب الوعد الأميركي « عدم توسيع الناتو نحو الشرق « أدراج الرياح، وعلى العكس ازدادت الضغوط الأميركية في هذا الاتجاه. حيث عمل الناتو بقيادة الولايات المتحدة في البداية على قصف الحليف الروسي صربيا عام 1999 وضم كل من بولونيا والتشيك وهنغاريا في نفس العام إلى الناتو. ومن ثم أنشأ قوات الرد السريع في براغ عام 2002 تلاه عام 2004 موجة توسع للناتو شملت سبع دول هي استونيا وليتوانيا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا, توسع أوصل الناتو إلى أبواب موسكو.‏

ولا بد من الإشارة إلى الخطوات التي تتالت في بولونيا من خلال نصب الصواريخ الأميركية، قيل أن الهدف من نصبها هو اعتراض صواريخ عابرة للقارات يمكن أن تطلقها دول دعتها واشنطن « محور الشر «.‏

وفي الوقت نفسه، انتشرت ثورات غريبة تدعي الديمقراطية  تديرها منظمات غير حكومية تابعة للولايات المتحدة في مناطق الأسواق الروسية، في أوكرانيا وفي جورجيا. وهذه الثورة أفضت في جورجيا إلى عمليات عسكرية. فقد اشتبكت روسيا مع الغرب في حرب غير مباشرة وغير متماثلة.‏

وفي عام 2009، أغلقت فرنسا في عهد ساركوزي جميع النوافذ التاريخية المفتوحة منذ عام 1966 عبر الجنرال ديغول بهدف عدم الاستيلاء على أوروبا، عندما أعلن انضمام بلاده إلى القيادة الموحدة لحلف الناتو.‏

وتسارعت عملية استيلاء الناتو على القارة العجوز بشكل كبير، وباتت الولايات المتحدة أكثر أحادية في تحكمها، حتى أصبحت القرارات الأوروبية أكثر انحيازاً لقرارات واشنطن، وعلى هذا النحو وعت النخب الروسية أن الهدف هو محاصرة بلادهم بدول تحوي فوق أراضيها قواعد لحلف الناتو. رداً على ذلك، نشطت السياسات الخارجية الروسية في العمل على تأسيس عالم متعدد الأقطاب. وضمن هذا السياق، اتخذت الأحداث التي تشهدها أوكرانيا أهمية خاصة وعملت على  زيادة تدهور العلاقات بين الغرب وروسيا.‏

وفي حديث له أمام المجلس الوطني المحلي في أوكرانيا في تشرين الثاني عام 2013 ندد النائب اوليغ تساريف بشكل علني خلال اجتماع للمجلس بتورط واشنطن المباشر في الإعداد للانقلاب وإشعال حرب أهلية في أوكرانيا. ووفق ما قاله، لم يكن ما تشهده أوكرانيا ثورة ملونة « سلمية» على غرار ثورة عام 2004، وإنما عملية دامية ترمي لجعل أوكرانيا منطقة مواجهة بين روسيا والغرب المهيمن عليه الناتو. وفي أعقاب خطابه جرى الاعتداء عليه بوحشية وصار رأسه ورأس المقربين منه مطلوباً من قبل أحد رؤوس السلطة الذين انبثقوا من خلال الأحداث التي شهدتها ساحة الميدان في كييف. وتحقق ما توقعه بعد 18 شهراً فقد غرقت أوكرانيا في حرب أهلية، واصطدمت روسيا مجدداً مع الناتو بشكل سري وغير مباشر ولكن أعنف من المواجهة التي حصلت عام 2008 في جورجيا.  وأدرك الروس، الذين لم تصبهم الخديعة أن الهدف من ضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي هو تسريع انضمامها إلى الناتو  لتشكيل محور برلين – صوفيا – كييف العمود الفقري الجديد للحلف في القارة.‏

ويصعب على الغرب إدراك أن الربيع الروسي عام 2014 في جزيرة القرم حين عودتها إلى الحضن الروسي الأم مماثل للربيع الألماني خلال توحيدها عام 1989. ويضاف إلى الضغط العسكري الناجم عن التدخل الغربي في أوكرانيا الحرب الاقتصادية الرامية إلى خنق روسيا مالياً واقتصادياً والاستفادة من انخفاض سعر النفط لتشديد العقوبات. وهي ليست مفاجئة لأن روسيا وعبر مناورات اقتصادية وإستراتيجية تعيد توجهها بعيداً عن غرب أوروبا المهيمن عليه من قبل الناتو. وعلى هذا الأساس فإن خطر الطلاق الكلي الجاري يتمثل في إغراق العالم بحرب باردة وتقسيم نصف الكرة الشمالي إلى كتلتين، فيها ينتصب الجدار ليس في قلب ألمانيا، وإنما على الأرجح في أوكرانيا.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية