ولعله من الخيال الرومانسي وبعد كفاح يزيد على قرن زماني في سبيل تحقيق الوحدة العربية أن نطرح اليوم أسئلة من نوع: هل تحققت الوحدة? ولماذا لم تتحقق? وما المعوقات والمشكلات التي منعت تحقيقها? وماذا عن المطبات الكثيرة والمتكررة التي سقطت فيها هذه القضية التي تعد جوهرية?
إنه لمن العبث حقاً أن نعد الوحدة العربية قيمة حاضنة ومحفزة حتى لجامعة الدولة العربية ذاتها في هذا الوقت الذي تتكشف فيه أبشع صور القوى العالمية الغاشمة في اختراق حدود الدولة العربية وشق الصف العربي وتحويله إلى جملة صفوف وجملة شعب وجملة تجمعات سياسية واثنية وطائفية راحت تسعى تلك الشراذم بحماية من أسيادها الذين أسسوها, إلى تكوين دويلات تحكمها عصابات كفرت بكل القيم الإنسانية النبيلة, ولم يعد يهمها إلا أن تلعب دور المرتزق المكلف بتحطيم كل المثل والأهداف والقيم التي لطالما حلمت بها الجماهير العربية.
في هذا الوقت الذي تنبعث فيه من جديد وبحدة واستعار أكثر من أي وقت مضى أصوات المنادين بالدولة القطرية وتتعملق ذواتهم بأموالهم المنهوبة من شعوبهم وبدعم المافيات السياسية الاسرائيلية والأميركية والغربية.
في هذا الوقت الذي لايرى فيه إلا قلة خطر القوى الغاشمة الطامعة في ثروات الأمة العربية بوصفها أمه عربية لها تاريخ وجذور وحضارة وثقافة, في هذا الوقت إذاً نجد أنه من الطبيعي الحديث عن الوحدة العربية فلقد أثبت التاريخ عبر حقبه, أن مجرد فكرة اجتماع بلدين عربيين اثنين وتوحد مسارهما سيزعزع خلجات الكيان الصهيوني أولاً, ومن بعد ذلك يتعاون مع هذا الكيان كل القوى الإمبريالية والعصابات السياسية في العالم ليفك, أويدك هذه الفكرة قبل أن تتمخض في رؤية وواقع.
قد يكون قدرنا نحن السوريين القومية العربية والوحدة العربية والتضامن العربي والفعل العربي المشترك.. وكيف لا يكون وقد نهلنا من مدرسة البعث وقائدنا الخالد حافظ الأسد الذي ما فتئ يسعى ويردد أننا وحدويون في كل وقت, والوحدة هدف مقدس لايتقدمه أي هدف آخر وها هو ذا قائدنا المفدى بشار الأسد يعلمنا كيف يمكن التعامل مع هذا القضية الخالدة في مثل هذه الظروف التي قد تبدو محبطة لكل عمل وحدوي.. فبالرغم من كل ما يحاك وبالرغم من كل الضغوطات وبالرغم من كل الولاءات التي ترتفع من هنا وهناك لدهاقنة السياسة في أميركا والغرب. ها هو يقول لا للهيمنة ولا للاملاءات قالها مسلحاً ليس فقط بالجماهير العربية السورية التي آمنت بما يقول وبما يفعل.. ولكن بالجماهير العربية على اختلاف جغرافيتها لأنه يدرك أن الجماهير تريد قائداً لايعرف اليأس إلى قلبه سبيلاً.
إن العمل العربي وتفعيل قضية العمل الوحدوي قالها ومارسها من خلال تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية العربية القائمة والسعي الدائم لإقامة نواة حقيقية للسوق العربية المشتركة وهو الحد الأدنى- كما يقول بشفافية وصدق وواقعية- ويضيف لكنه الممكن حاليا للحفاظ على ما تبقى من آمال في إقامة علاقات عربية سليمة.. فلم يعد خافيا على أحد ما آلت إليه حال أمتنا العربية من ضعف الروابط بين دولها خلال العقود القليلة الماضية وعلى وجه الخصوص في عقد التسعينيات فبرز الاهتمام بالمصالح المحلية القطرية طاغياً على الاهتمام بالمصالح القومية فأصاب الوهن الجسد العربي وضعفت الأمة وتشتت وتفرقت دولها ومن ثم تعودت وتأقلمت مع حالتها الجديدة وأصبح ما هو طارئ طبيعياً, وبات الحديث عن القومية العربية أو التضامن العربي رومانسياً أو مضيعة للوقت وحتى المصالح المشتركة أخذ البعض يشكك بأهميتها, وعلى الرغم من هذا الواقع المتردي للعلاقات بين الدول العربية والذي يدفع البعض للتشاؤم والبعض الآخر للإحباط فيجب ألا ينتابنا اليأس من إمكانية تحقيق خرق في هذا الاتجاه, وألا نسلم بالواقع الحالي أو نستكين له بل لابد من مبادرات وقائية أو علاجية لا تستند إلى حسابات الربح والخسارة على المستوى القطري بل على المستوى القومي, أي على أساس لنربح معا بشكل جماعي , فهذا سيزيد من إمكانيات الربح الأحادي إضافة إلى الاستناد في هذه المبادرات إلى منطق الكرامة القومية والأخلاق والقيم العربية.