وهو بيت الضيافة يقصده أي إنسان سواء أكان من أهل البلدة أم مسافراً أم زائراً حيث يجتمع به القريب والغريب. والأهل في شهر رمضان المبارك من أجل التودد والاقتراب إلى بعض أكثر ونسيان الاحقاد ومن أجل التوصل إلى حل الخلاف والنزاع بحضور أصحاب الشأن والوجوه المعروفة وحضور الفقراء والمحتاجين والدراويش, أما النساء فكن قديماً وقبل الافطار يقمن بإرسال الطعام للجوار وللمساكين المحتاجين وكنا نشاهد قبل أذان المغرب بدقائق خلية من الأطفال ذهاباً وإياباً وهم يحملون الطعام بالصحون والصواني للتبادل بين الجوار ويبقى لرمضان في تدمر قديماً عادات خاصة ومميزة حيث يقوم الرجال والصبية الشباب بالاعتكاف والامتناع عن السفر ويجتمع الأهل والجيران وكأنهم عائلة واحدة يتسامرون ويشربون ألذ العصير مثل قمر الدين وعصير الرمان ويأكلون أطيب الحلويات المصنوعة من التمور التدمرية هذه العادة مازالت حتى يومنا هذا إذ إنها تزداد وأصبح الصغار يقلدون الكبار.
وجرت العادة في تدمر خلال الشهر المبارك اجتماع النساء في بيت واحد يتبادلن الأحاديث والقصص حيث كانت كل واحدة لديها حكاية وقصة والبعض منها من نسج الخيال وتتفرغ النسوة للسهرة الرمضانية الممتعة حتى قدوم المسحراتي الذي كان أشد الناس فقراً ويسكن في أطراف المدينة ويحمل بيده عصا ووعاء فارغاً ويجول الشوارع قبل أذان الفجر بساعة, برفقة أحد أولاده يحمل كيساً فارغاً من أجل حمل الطعام المقدم له قبل السحور حيث كان ينقر على الوعاء بعصاه وينداح من حنجرته صوت مرافق يقول: (يانايم وحد الدايم قوموا على سحوركم خلي رمضان يزوركم) هذه العادات في تدمر مازال البعض محافظاً عليها والبعض الآخر والأكثرية قد وضعها في جعبة النسيان بعد توسع المدينة وتزايد سكانها عشرات الأضعاف عما كانت عليه سابقاً.
وفي هذه الأيام نشاهد طقوساً رمضانية جميلة فهناك مازالت الألفة والتقارب والمحبة والمسامحة وتغص الأسواق بالمواطنين الذين يشترون ألذ ما طاب من أنواع العصير والمشروبات مثل (العرق سوس - والجلاب - تمر هندي - قمر الدين - عصير الرمان - والعيران) والاهتمام حالياً كما كان قديماً بالطعام الشعبي مثل (البرما- والشيش برك - والمناسف العربية - والكبسة - والمقلوبة التي تغطى بالمكسرات والسمن العربي إضافة إلى الكبة المشوية والمقلية والمهبلة والحامضة التي تطبخ حصراً بدبس الرمان التدمري وتقدم على مائدة الافطار كافة الحشائش البرية النافعة لجسم الإنسان والتبولة والفتوش والشوربات واللبن (الشنينة) وهناك أيضاً الحنينية المصنوعة من التمر والمقلية بالسمن العربي واقتصرت السهرات الليلية على الرجال فقط وما زالت حتى يومنا هذا إلا أنها تكون في الشوارع أو على سطح المنازل, أما المسحراتي فلم نعد نسمع منه أي ألحان أو صوت في الوقت الحالي بل يقوم بالدق على طبل ولم يعد يأخذ أي نوع من الطعام قبل السحور بل يأتي في ليلة العيد بنهاية شهر رمضان يجول على المنازل في تدمر لاستلام كروتة أي العيدية.