ولامتحانه في قدرته على كبت غرائزه استجابة للأمر الإلهي, وأن يعود الإنسان جسده على الصبر والحرمان, فقد يتعرض الإنسان لمحن ولشدائد, وبالتالي عليه أن يكون مستعدا لها, ويعد الصوم الوسيلة الأنجع لتدريبه وتهذيبه.
وفي رمضان يتجدد الحديث في الفضائيات عن أهمية الصوم ويتحدث العلماء عن الأهداف الاجتماعية منه, ومنها الشعور بشعور الفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يقيم أودهم, ويفترض أن يعني هذا الشعور إذا حصل أن يعطف على الفقراء ويعطيهم مما رزقه الله.
وإذا عرف الصائم بعض الأهداف الروحية والتربوية والاجتماعية من فريضة الصوم, يجب أن يسلك كل سبيل ويتخذ كل وسيلة مشروعة تحقق له هذه المقاصد, ويبتعد عن كل شيء يقطع عليه طريقه, ويقلع عن كل عادة سيئة تعوقه عن الوصول إلى هدفه السعيد وغايته النبيلة.
لكن يبدو أن الناس تركوا ثقافة الصيام وأصبحوا على النقيض منها واستبدلوا بها ثقافة الطعام,
فظهرت عادات وتقاليد تغلغلت في المجتمع أفسدت على الناس صيامهم, وأطاحت بكل المقاصد العليا للصوم.
إن الأكل والشرب ليس عادة سيئة, بل هو مطلب أساسي جبل الجسد عليها,ولتحقيق متطلبات الجسد في حدودها الطبيعية كان السحور والإفطار.
وهنا المفارقة بين الحدود الطبيعية وما يحدث على أرض الواقع, فقد تحول شهر الصيام والتقليل من الطعام من شهر الامتناع عن الطعام إلى شهر الأكل والشرب حتى التخمة.
فيتناول الناس أنواعاً لا تعد من الطعام والشراب وأصناف الحلوى ما لا يأكلونه ويشربونه في السنة كلها, وتتحول المحال التجارية إلى أسواق كبرى لمختلف أصناف الأطعمة والأشربة التي وكثير منها لا يظهر إلا في هذا الشهر, وبذلك نبتعد عن روح رمضان ونخالف السلوك الأمثل للصوم, وتذهب ثمرات الصيام أدراج الرياح.
ورغم كل ما يقال عن غلاء الأسعار نجد التبذير والإسراف في المأكل والمشرب, وقد ازدادت عادات الإسراف خلال السنوات, حتى انقلب الأمر وبدا رمضان شهر الصيام شهرا للشراب والطعام, يمتنع الناس عنها نهارا ويسرفون فيه ليلا ويأكلون في رمضان أكثر مما يأكلون في عدة أشهر, وبدا التناقض واضحا بين الغايات والتعاملات.
وما إن يسير احدهم في الأسواق بضع خطوات حتى يكتشف بحواسه الخمس كيف طغت ثقافة الطعام على الصيام, فترى المأكولات من كل صنف من خضار وفواكه والمشروبات من كل لون يسيل لها اللعاب من تمر هندي وعرقسوس وجلاب.
هذا عن حاسة البصر, أما عن حاسة الشم فحدث ولا حرج فتشم رائحة الشاورما والشيش والمشاوي والكبة بمختلف أنواعها.
وتبقى حاسة السمع المتلقي الأبرز في التقاط إشارات طغيان ثقافة الطعام, فأينما سرت تسمع الباعة ينادون: ( كله إلك يا صايم).
أليس ما يحدث مفارقة كبيرة بين الغايات والتصرفات.