هذا السؤال يطرحه عدد كبير من المواطنين الذين يمكن وصفهم بأنهم عقلاء وقادرون على استشفاف العبء الملقى على كاهل الدولة,
وهو عبء يؤدي إلى انصرافها لأداء وظائف على حساب وظائف أخرى لا تقل أهمية عن الوظائف التي تنهض بها حالياً إن لم تكن تتفوق عليها من حيث الأهمية.
ويسوق المواطنون أمثلة على إرهاق الدولة ببعض المسائل الصغيرة التي تنصرف عليها وتكلفها جهداً ووقتاً ومالاً, ويحجم المواطن عن القيام بأي دور في هذه المسائل, لا بل الأنكى من ذلك أنه يقوم بدور سلبي يزيد الطين بلة.
النظافة مسؤولية الجميع
نبدأ بموضوع النظافة الذي يعتبر على درجة كبيرة من الأهمية, فقد تعود مواطننا على إسناد هذا الدور للدولة مكتفياً بتوجيه الانتقاد الحاد لها على تقصيرها في القيام بالواجب الملقى عليها في تأمين النظافة.
لكن هذا المواطن ينسى أو يتناسى أن دوره هنا لا يقل أهمية عن دور الدولة, والمؤسف أن عدداً كبيراً من أبناء الوطن يهتمون بالنظافة الداخلية, ونعني بها الحرص على نظافة بيوتهم, حتى إذا خرجوا خارج المنزل لم يروا مانعاً في إلقاء أكياس القمامة أو الفضلات التي بين أيديهم أمام حاوية القمامة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء رميها ضمن الحاوية, ناهيك عن عدم التقيد بالمواعيد المحددة لرمي أكياس القمامة, إضافة إلى إهمال موضوع إحكام إغلاق أكياس القمامة.
إن ثائرة المواطن تثور إذا أقدم أحد الصبية الصغار على إلقاء كيس من أكياس المقبلات أمام باب منزله, في حين لا يشعر بتأنيب الضمير عندما يرمي هو نفسه كيساً مملوءاً بكمية ضخمة من القمامة أمام الحاوية, أمام منزله يرى النظافة عنصراً مهماً من عناصر حياته, أما في الشارع وهو من الأملاك العامة فللموضوع حسابات أخرى تدعو للأسف والألم.
إننا نحفظ عبارة (النظافة مسؤولية الجميع) عن ظهر قلب وإذا خضعنا لامتحان نظري فيها نلنا علامات جيدة, لكننا في الواقع العملي التطبيقي نحصل على أسوأ العلامات, ولانشعر بالخيبة لأننا ما زلنا راسبين فيها عملياً ناجحين نظرياً.
هدر المياه ذنب أكبر
إذا تركنا موضوع النظافة وانتقلنا إلى موضوع الحفاظ على المياه وعدم هدرها, فإننا نكشط الجلد عن جرح يفوق الجرح الأول ونعني به جرح النظافة عمقاً ونزفاً.
وهنا يبدو ذنب المواطنين أكبر, والغريب في الأمر أن المواطنين على علم بشح الأمطار التي تجود بها السماء علينا, وانخفاض منسوب المياه في كثير من الينابيع ونضوبها في كثير من الآبار, ومع ذلك فإن المواطنين يصرون على تجاهل هذا الموضوع, ولا يلقون له بالاً, ويسرفون في هدر المياه إسرافاً يثير الإشفاق والألم معاً.
إنهم ينظرون إلى قيمة فاتورة المياه فإذا كان المبلغ المطلوب تسديده كبيراً شعروا بخطورة الموضوع, وبادروا على الفور لاتخاذ إجراءات وقائية وفرضوا نظاماً صارماً يدعو للتقنين في استهلاك المياه.
أما إذا كانت قيمة الفاتورة قليلة تركوا الحبل على غاربه واشتطوا في هدر المياه دون وازع أو رادع من ضمير أو مسؤولية تشعرهم أنهم يهدرون الثروة الأغلى في الحياة.
إهمال الأشجار والاعتداء عليها
وهذا مثال آخر على رمي المسؤولية على كاهل الدولة والتهرب منها, فمواطننا اعتاد على توجيه النقد للدولة لعدم اهتمامها بزيادة المساحات الخضراء, وهو على استعداد لإلقاء محاضرة طويلة عريضة عن التصحر ومخاطره وعواقبه, وعن الأمن الغذائي وأهميته في حياة الأمم, لكنه ليس على استعداد لسقاية شجيرة قامت الدولة مشكورة بزراعتها على الرصيف قرب منزله, وليس على استعداد لنهي أولاده عن الاعتداء على الأشجار, هذا الاعتداء المتمثل باقتلاعها من جذورها, أو تكسير أغصانها إذا عف الأولاد عن اقتلاع هذه الأشجار.
إن زراعة الشجرة والاهتمام بها دليل على مظهر حضاري يتمتع به المواطنون, أما إهمال هذه الاشجار والاعتداء عليها فأمر يدعو للحسرة وتقليب الكفين غضباً وندماً.
كل ما سقناه من أمثلة يدل على عدم استيعاب دور المواطن في بناء الوطن وهو دور يتوازى من حيث الأهمية مع دور الدولة, وعلى المواطن أن يعي هذه الحقيقة ويفهم أن الدولة تعمل له ومن أجله, وعليه أن يرد جميل الدولة بالحفاظ على كل ما تقدمه في سبيل رفعة الوطن ونهوضه.
Ferasar72@hotmail.com