إحدى عواصم النفط لمجموعة من القادة والمفكرين أطالوا لحاهم وبشكلٍ ملفت ظهرت على جباههم بقع غامقة اللون ( إشارةً وبرهاناً على مواظبتهم على فريضة الصلاة رغم أنّي واظبت على الصلاة من طفولتي ولم ترتسم على جبهتي هذه البقعة ولم أعرف السبب).
كان المؤتمر بخطبائه يشبه عرضاً مسرحيّاً ساخراً لدمى شكلها خشبي و صوتها خشبي و منطقها حجري، ولست أقول هذا من باب التجنّي ولكن من استغرابي واستهجاني فأنا قد اضطلعت في مسيرة حياتي على تراث مفكرين إسلاميين يأخذونك إلى عوالم فكرية ساحرة ولم يسبق لي أن أشاهد هذه النماذج وأن أطلع على فكرها و هدفها ولم أكن أتوقع أن تكون بهذه السذاجة المترافقة مع العصبيّة و التوتر وحدة القول والأخطر عدم وضوح الهدف عدا عن وقاحة الطرح وصفاقة المشهد فالرئيس المصري يدمّر أنفاق الحياة لإخوتنا في غزّة ويستمر بتصدير النفط دون تعديل سعره الرمزي ويتعهّد بالالتزام باتفاقيّات كامب ديفيد بأمن الكيان الصهيوني يجلس بكل تضامن وتكافل مع مشعل الذي من المفترض أنّه يقود دفّة المقاومة في غزّة مع قائد إسلامي مفترض رغم أنّه يجمع بين إسلامه وبين الناتو ؟!! .
(من هؤلاء ؟) كررت خريجة التاريخ سؤالها وهي تراني أتابع متفحّصاً وجوه هؤلاء الملتحين حيث كانت سحنتهم الكالحة الغاضبة تسبق وجهة نظرهم الحانقة المحرّضة و كانوا يستخدمون التاريخ الإسلامي في حديثهم بطريقة مشوّهة تعتمد على تقطيع الأحداث وتحويل العبر المأخوذة من هذا التاريخ إلى شظايا تجارب متبعثرة ليسهل تشويهها و تشويه المردود الفكري والأخلاقي المأمول منها وبالتالي لم أراهم أكثر من شخصيّاتٍ زائفة ذات محتوى إنساني ضحل يوجّه سلوكها شظايا الفكر و التراث و الذاكرة كائنات خشبيّة تشبه حجّاب السلاطين في العصور البائدة بابتساماتهم المقولبة ونظراتهم الفارغة وركوعهم وهم يستأذنون لشهبندر التجّار ليدخل بلاط السلطان .
( من هؤلاء ؟) ألحّت بالسؤال فأجبتها: ( هؤلاء هم أصحاب الذقون الطويلة الذين أدهشونا وهم يذعنون لإرادة الصهاينة والأمريكان ويسجدون في حضرة باعة النفط مستخدمين حججاً تؤكّد أنهم كائنات إنسانيّة ناقصة في وجدانها وهي تتناسى جرائم الصهيونيّة وظلم الأمريكان ودماء الشهداء واغتصابهم للأرض والعرض وتفكّر وتجتهد للحديث عن الربا و القروض والبنوك !!! أجل يا بنيّتي هم كائنات إنسانيّة ناقصة في وعيها لا تتقن سوى خطاباً استظهاريّاً تحريضيّاً طائفيّاً يدل على نقص وعيهم وإلاّ فكيف لممثل الشعب في البرلمان أن يقف ليعلو صوته مؤذناً داعياً ممثلي الشعب لصلاة العصر ويختفي صوته أمام أنين الشعب المصري وهو يبحث عن رغيف الخبز وقد استبدّ بأمنه الفتوات والعصابات وزعماء السلفيّة ، كائنات إنسانيّة ناقصة في إيمانها وروحانيتها و أخلاقها وهي تصنع تاريخاً أقل جمالاً وأقل تحضراً وأقل عدلاً وأقلّ استقامة عندما تركت شريعة الله و سنّة نبيّه واستمدّت قوتها وقوانينها ومعاييرها الأخلاقيّة من مجموعاتٍ بشريّة مشبوهة وحشودٍ بشريّة ضارية تمارس العنف والجريمة بطريقة ميكانيكيّة غاب عنها العقل والغاية السامية وفرضها كنظامٍ جديد في فرض السلطة، هؤلاء يا بنيّتي الذين استبدلوا دين الله بأخلاقيّاته الأصيلة و نظرته العميقة المبدعة لأمور الحياة والتي قدّمت للحياة الإنسانيّة إبداعات جابر ابن حيّان وابن سينا والرازي والفارابي والمتنبي وما تتخم به كتب التاريخ من قادة ومبدعين .. استبدلوه بدينٍ سعودي وهّابي يصنع نماذج مجرمة عميلة ومشبوهة تثير الاشمئزاز كابن لادن والظواهري و القرضاوي و أبو حمزة المصري وأبو مصعب الزرقاوي وجيوش المعوقين عقليّاً ووجدانيّاً وروحيّاً ، مما مكّن الصهاينة و حلفهم الرأسمالي الأمريكي الأوروبي من السيطرة على عقولنا وتهديد وعينا وتعتيم نظرتنا لمستقبل أمتنا مما سهّل على أعداء أمتنا تجنيد شعوبنا ليكونوا حطباً لحرائقهم في العراق وأفغانستان والصومال وتونس ومصر وليبيا واليمن وأخيراً في سورية الصمود فأفقدوا الأمة سبل التحكم بالعقل محاولين دفع الأمة من جديد نحو قيادة عثمانيّة قديمة جديدة وعقليّة عثمانيّة قديمة جديدة وتحت عنوان الربيع العربي نعود إلى ما قبل عصر النهضة إلى خريفٍ عثماني بانحطاطه وظلمه وجهله و مجازره العرقيّة والطائفيّة وتعود مشنفته لتغتال الشيخ عبد الحميد الزهراوي كما فعلت بالسادس من أيّار وتنصّب الظواهري والقرضاوي كعلماء الأمّة وتشنق فكر وشاعريّة رزق سلّوم وشكري العسلي وثورتهم التقدّمية وتنصّب بدلاً عنهم عزمي بشارة وبرهان غليون أصحاب دكاكين التقدميّة والوطنيّة ، وتشنق نضال جيفارا وكاسترو وغاندي وجمال عبد الناصر وحافظ الأسد برميهم بالكفر والضلال والعمالة ليكون حمد بن جاسم وأميره دعاة الحرّية والديمقراطيّة و الموقف السيد المستقل؟!!!!! والدليل تابعي الجزيرة والعربيّة وأذيالهم كيف تحاول وضع قادة المقاومة السيد الرئيس بشار الأسد و سماحة السيد حسن نصر الله تحت مظلّة الشبهة و الرجعيّة وتقديم حكام النفط كقادة وطنيين تقدميين ديمقراطيين).
ضحكت وقهقهت تلك الصبيّة وغادرت وهي تؤكد لي: (أن التاريخ لن يغفل وسيفتح صفحة جديدة للفكاهة والتندر والنكتة تحمل عنوان ربيع العرب وخريف بني عثمان والإعلام الكر وستدخل سحنات وبوزات مذيعي الجزيرة والعربيّة التاريخ للتربّع على عرش العمالة والخيانة أمّا هؤلاء أصحاب الذقون فالله سبحانه وتعالى كفيل بهم و بتحالفاتهم مع أعداء الأمّة ) .