وأظن أن زمان الجسد من زمان الروح: اعتنيت بما فيه الكفاية بنظافة عقلي وقلبي وجسدي، لكنني عانيت الأحزان ومعها ومنها.. وكنت وفية زيادة عن الحاجة للحزن الجسدي والروحي.. تركت الخيبة تلو الخيبة تبني أعشاشها بين نسمات حبي وأغصان الأيام حتى عاتبتني الكروم والغيوم والسماء والنجوم).
هذا ما جادت به قريحتها وهي بين يدي وقت الأولاد والبنات المخلصات اللطيفات الحنونات مع الأم وأسئلة روحها وجسدها..
قالوا وقلن وقلنا لها ونحن نهم بالوداع:
- ماذا يتبقى من قامة الجسد والروح والأيام؟؟!
- الكرامة تبقى إذا أعطيناها حقها من العناية.
- والوطن بقاء البقاء وحشد عافية وحياة.. وهذه العلاقات واللطافات بيني وبين البنات الطيبات والحفيدات الرائعات هي وطن وجمال..
نحتاج أن نحيا بعزم وعز وهناءة وكرامة ونحتاج لقامتنا أن نحترمها ونحميها كما نحيا.. نود أن نبقى بقدر بسيط وجيد من عزة القامة وعزم التفكير والتذكر.
حول الكرامة الباقية والوطن الباقي كثيراً وكبيراً، لابد من وصلات حب ووصلات عناد.. ووقفات النفس مع الأناقة كوقفات القامة مع الرشاقة، وحين يبدأ المرض جولته التفقدية على المحاسن والمعالم حينها يهجم على كرامة الجسد ويحذف من حد النفس برق الأناقة ومن وقفة القامة قوام الرشاقة.
فالتمني أن يكون الرحيل قبل جولة الضعف التفقدية وأسرع منها كي تبقى كياسة الجسد متحالفة مع كياسة الروح.
الأم هذه بنت حيطان عيش وقرب كل حائط رفعت حائط كرامة وأعلت أفقاً عائلياً وعلمت الجيران والجارات والأبناء والبنات:
افسحوا المجال أمام حبكم ليمر إلى قلوبكم في جميع الأوقات القهر قد يدمر الإنسان ويهدم قامة حياته ويتركه كالوحل رخواً وضالاً بين الأقدام.. الاعتزاز بالمحبة يجعل كرامة الجسد مشدودة ويعطي للبقاء أجمل الأقدار وأحسنها وأرقاها والفقر شقي ويتآمر على كرامة النفس وقامة الحياة فيحاول تركها طي الحرمان... وقد جربناه وذقناه.. وقاتلناه وقاسيناه كما تقاسي الشجرات العواصف والعطش وآلام القطع والقطيعة.
الشجرة العالية الحسناء بأغصانها ما نفع بهائها إذا لا تجلس تحتها الأحاديث والقامات والحياة..
الغصن كبير وكريم بالفتاة التي تمر قربه وتلامسه وبالشاب الذي يعتني بزهوه.. والمطر يهدي الغصن معناه الحلو.. قوة الخلق تبدو بالمخلوقات وضعف الحالات يشغل الواقع ويقسو على الناس أقدار الأجساد.. متخالطة مع أقدار الأنفس.. ومعاني الكرامة خلطة متكئة على فهم الروح والجسد.. وقبل أن يهجم المرض على كرامة جسدها تمنت من أيامها أن تقفل الباب على المتبقي من العيش.. وأوصت:
الحاجات والقروش المتبقية أتمنى أن تدعموا بها علاقات الجيرة التي بين القلب والآخرين.. الأغراض والأموال لا قيمة لها ولا معنى إلا بما يخدم الناس ووجدان الأيام والحياة والعائلات والأقرباء والجيران والأحباب والأصدقاء.. الإنسان سيد نفسه إذا بقي مع كرامة نفسه وحياته.. وأضعف من الضعف ونفسه إذا ابتعد عن كرامته.. ضربات الذل والمهانة تحني القامة وتجعل الروح في حالة من التدهور والتأخر.. وليس كل من يفكر بصد ضربات الذل يتمكن من ردها.. اتركوا بيننا حفنة الاحترام ورغيف المودة وشجرات الخير وظلال الأمل والأمان..
وعلى مقربة من حديثها أمام التعب خيمة ليستقبل الوداع لكن القدر أكرمها بأن بادرها بالرحيل قبل انحناء قامة نفسها وسيادة أحلامها وبساطتها وكرومها.. أحسنت تسوير بهائها الحذر بالمتيسر من الحال والحلول والكرامات التي يمكن للنفس العذبة أن تبتكرها بجهد شخصي واهتمامات وجدانية غير معقدة.
كأنها مع بقائها ينسجان منديلاً من المطر ومعطيات الشجر وإبداعات الشرانق والخير..
لم تزل القامة التي تعبت برفعها العمر كله..
والشتاء (المزيون) الذي سقى عرائش عيشها وعزها بكامل العافية ويزور عهود الكروم ويتحاور مع عناد الأغصان والأحزان وبهاء الثمار والحكايات ويستعد لإبداء الملاحظات وتحسين واقع البدايات والبقاءات واللقاءات.
المتبقي من وقت الكرامة الكرامة والوطن الأب الحنون للكرامات والأم المبتكرة لمحاسن القامات... وليس يهرم ما تبقى وليست القامة التي يظنها البطرون فقيرة وضعيفة متهاونة بالإبقاء على كرامة عالية وكروم زاهية وخضراء تتحالف البساطة مع البهاء المقدور عليه لتأليف قامات الفقراء الصالحين للبقاء والوطن ونسج قمصان التآلف والسخاء الشاب على مر الحزن وبعد الغياب ورغماً عنه.