ليس فيها فرقة تمثيلية واحدة؟ وإذا دار الحديث عن موهبة فطرية، فهل كانت مشاهدة عمل تمثيلي واحد كافية لتفجير تلك الموهبة الكامنة، لاأب ولا أم لها؟!
يذكر الاستاذ اكرم حسن العلبي في كتابه «ظرفاء من دمشق» أن فرقة أمين عطا الله المصرية، وصلت الى دمشق سنة 1924 - حكمت محسن من مواليد 1910 - فدخل حكمت لمشاهدتها، وكان هذا أول عهده في شارع الفن.
حين شاهد حكمت الممثلين
يرى الاستاذ العلبي ان هذا الصبي عندما شاهد الممثلين على المسرح تفجرت في نفسه رغبات كامنة لا سبيل الى مقاومتها، وقال في نفسه: لابد أن أكون فناناً.
ولم يكن في سورية مسرح
يومذاك لم يكن في دمشق، مسارح بالمعنى المعروف للكلمة، وانما كانت هناك مقاه، ربما صلحت لبعض العروض المسرحية، اذكر منها «زهرة دمشق» في ساحة المرجة و«قصر البللور» في القصاع - وهو غير قصر البللور الحالي قرب جسر باب توما - اضف الى ذلك المسرح معهد اللاييك - وبعض مدارس الارساليات - ربما كان هناك في باب الجابية، مسرح ما، عرض عليه ابو خليل القباني بعض اعماله.
حكمت محسن.. وعطا الله
في تلك الليلة، وبعد مشاهدة حكمت محسن ذلك العرض، كتب التماسا الى امين عطا الله، كي يقبله في فرقته، وبحث عنه حتى التقى به في مكتب البريد، حيث سلمه الالتماس الذي سهر الليل وهو يكتبه، فطلب اليه امين مقابلته في المساء.
يفعل كل شيء.. ليقف على المسرح
كان حكمت محسن متلهفا للالتحاق بفرقة عطا الله بأي شكل حتى انه عرض ان ينفذ لافراد الفرقة كل طلباتهم، وكما يقول الباحث المؤرخ العلبي فإنه قال: سأفعل كل ما تريدون، سأشتغل حمالاً ومساعداً للجميع، ومنظفاً لغرفهم وملبياً لجميع طلباتكم، مقابل ان تسمحوا لي بالوقوف على المسرح مع الكومبارس.
أول ظهوره في دور «الحماة»
هكذا بدأ الاستاذ محسن العمل مع هذه الفرقة، طول اربع سنوات، حتى كان اول ظهور فعلي له على المسرح، في دور «الحماة» بعد زمان طويل من ادائه ادوار الكومبارس.
عطا الله.. الى لبنان
انهت فرقة امين عطا الله عروضها في دمشق، وقررت المغادرة الى لبنان وأبلغ حكمت محسن بانتهاء عمله، واذ رجاهم ان يجددوا عقده بالشروط نفسها، على ان يرافقهم في جولتهم في ربوع لبنان، فإنهم رفضوا.
حكمت محسن سافر خلسة
كان القطار يسافر في ذلك الزمن بين دمشق وبيروت، وفيه سافر اعضاء فرقة عطا الله، ومعهم حكمت محسن، الذي سافر معهم خلسة مادام القطار طويلاً، وربما لا ينتبه اليه احد، وعلى سبيل الاحتياط فإنه استدان بعض المال، كي ينفق منه، خلال اقامته في لبنان.
ورق قلب عطا الله
وعندما انتبه امين عطا الله، الى ان حكمت محسن، ما يزال معهم، فيبدو ان قلبه رق وعطف عليه، وجدد عقده، فعاد سيرته الاولى وراح ينتقل مع الفرقة بين المدن اللبنانية، وينفذ كل ما يطلب منه مقابل اسناد دور له، يظهر من خلاله على خشبة المسرح.
العودة بعد حل الفرقة
يقول الاستاذ العلبي:
بعد ان نفدت نقود حكمت محسن، عين له اجر رمزي، ودام الحال حتى سنة 1932، وفي تلك السنة تم حل الفرقة لانصراف الناس عنها الى الافلام السينمائية الجديدة، فاضطر حكمت محسن الى العودة الى دمشق «بخفي حنين».
وللموضوع تتمة