تبشر بمواسم متقدمة فيما يخص هذا النوع من الأنشطة المحرضة للإبداع والاكتشاف وملاكات التلاميذ والأطفال بمشاركة غنية للأسر والأهالي.
فماهية المسرح وكيف تنعكس العمليات الاجتماعية على خشبته ما دام هذا المسرح هو ساحة اجتماعية بالأساس وهو الذي يجعل خبرة الأداء المسرحي أو الموسيقي الحي أو ما شابه ذلك من أشكال الأداء مختلفة عن مشاهدة الأفلام في السينما أو مشاهدة التلفزيون هو ذلك الشعور بأننا جزء من مناسبة اجتماعية ما أو واقعة ما تحدث الآن أمامنا.
ويمكن فهم العديد من الظواهر التي تحدث في المسرح من خلال المصطلحات التي استخدمها علماء النفس الاجتماعي لوصف النشاطات والأحداث الجماعية بشكل عام.
في سيكولوجية فنون الأداء يشير المؤلف جيلين ويلسون أستاذ علم النفس بجامعة نيغادارونيو بالولايات المتحدة الأمريكية من خلال سلسلة عالم المعرفة العدد 258 بشكل خاص في أحد فصول الكتاب المهمة إلى تحديد تطبيق تلك المبادىء التي رسخت في ميدان علم النفس الاجتماعي على الخبرة المسرحية إذ يشتمل التخاطب الاجتماعي في المسرح على ثلاث مجموعات من البشر هي الكتاب أو المبدعون ثم المؤدون وكذلك الجمهور، وهنا قد يبدو أن المسار الأساسي للتأثير الاجتماعي يسير في الاتجاه نفسه حسب رأي المؤلف حيث يقدم الكتاب المادة للمؤدين ويقوم هؤلاء بإحداث أثرهم الخاص في الجمهور، لكن هذا التفسير يتسم بالمبالغة في التبسيط فالمؤدون والكتاب حساسون لردود أفعال الجمهور سواء جاءت هذه الردود في شكل مردود أو عائد فوري أو جاءت على هيئة عملية إعادة تقييم طويلة المدى لافتا ويلسون إلى تأثير كل مجموعة من المجموعات الثلاث السابقة حقيقة في المجموعتين الأخريين وفي النهاية يعتمد الاستمتاع المسرحي على تواطؤ ما يتم بين هذه المجموعات الثلاث كلها وبعيداً عن مردود الجمهور والتوقيت وآليات إطلاق التصفيق والكارزما وفرط الاعجاب والاقناع السياسي وبحوث الجمهور، إضافة إلى الاستثارة الجماعية نركز في هذا الإطار على عنوان غالباً ما نحتاجه هذه الأيام وهو عدوى الضحك الذي هو ظاهرة اجتماعية فعلى الرغم من أننا قد نفكر داخلياً في شيء ما باعتباره مضحكا فإنه نادراً ما نضحك عليه إلا إذا كنا بصحبة آخر وقد لا يضحك الآخرون بالضرورة.
نضحك مع الآخر
لقد بينت التجارب حسب الكتاب أن احتمالات ضحكنا على بعض النكات تتزايد إذا كان الآخرون الحاضرون معنا في الموقف يضحكون أيضاً لكن هذه التجارب أظهرت كذلك أننا نميل أيضاً للضحك في حضور آخرين لا يضحكون أكثر من ميلنا للضحك إذا كنا بمفردنا وهكذا فإن الضحك ينشط باعتباره أداة للتواصل أو التخاطب الاجتماعي.
ويبدو أنه بمقدور الناس على نحو جيد أن يحكموا على الفكاهة باعتبارها مضحكة حتى لو كانوا قد صادفوها أولاً بمفردهم وبينما كانوا في حالة عزلة ولم يضحكوا عليها، إن الأمر المأساوي من وجهة نظر ممثلي الكوميديا وكتاب المسرح الكوميديين هو أن يكتشفوا أن المادة التي يقدمونها لا تستثير أي ضحك من مجموعة كبيرة من الناس وتسمى هذه الظاهرة بالموت على خشبة المسرح وهي ظاهرة تعادل أو تماثل الاجماع على الرفض أو الاستهجان.
صمت الجماعة
ويلفت ويلسون إلى أن الخوف من صمت الجماعة يدفع بعض منتجي التلفزيون إلى استخدام الضحك المسجل في تمثيلياتهم الكوميدية وهو أسلوب قد يبدو مطلوباً إلى حد كبير عندما تكون المادة المعروضة غير مضحكة على نحو جوهري.
وقد صاغ أحد الباحثين هذا الأمر قائلاً: إن التأثير الخاص بالضحك المسجل إنما يتمثل في أنه يجعل الناس يبحثون عن نكتة ما ملقاة في موضع ما هنا أو هناك داخل العمل إذ ابتكرت أنواع عدة من آلات الضحك والتعبير عن الاستحسان بالتصفيق مثلاً، وذلك من أجل إنقاذ العديد من الأعمال التلفزيونية الكوميدية متوسطة القيمة وبعض هذه الآلات تشبه إلى حد ما الآلات الكاتبة مع تزويدها بمفاتيح عدة تتفق مع التعبيرات العديدة عن المرح أو السرور كالقهقهة والدمدمة «وهي نوع أشد من الضحك».
إضافة إلى الضحكة الخافتة والصاخبة وغيرها ما يعني أن هذه الآلات نادراً ما تكون كاملة الفعالية وذلك لأن نمط الضحك هو الأمر الحاسم فإذا وصلت هيستريا الضحك إلى قمة فورية بعد بداية العمل فإنها ستبدد مصطنعة حسب المعطيات، وفي حال تم استخدام الارتفاع والانخفاض نفسه في الضحك بشكل متكرر سيصبح جمهور المتفرجين واعياً في الحال بالأصول الميكانيكية أو الآلية للضحك، ويعتبر الضحك المسجل من جمهور موجود فعلاً أفضل من الضحك إلى حد كبير لكن هذا غالباً ما يكون أمراً غير عملي، كما يحدث مثلاً عندما يتم تمثيل العمل في مواضع الأحداث الفعلية، وليس في الاستديو.
كأن يعرض تسجيل بالفيديو على جمهورفي الاستديو، ثم تتم إضافة أي ضحكات تصدر تلقائياً عنهم إلى المدرج الصوتي، اعتماداً على الخاصية الأساسية للكوميديا، وقد يكرر مثل هذا الإجراء مرات عدة حتى يتراكم عدد كاف من الضحكات.
وهناك أسلوب آخر ثبت أنه غير ناجح إلى حد ما وهو أن يكون هناك ممثلون مضحكون يساهمون بالضحكات الخاصة والعالية ويسجلونهاعلى المدرج الصوتي في مواضع محددة منه، وفي هذا السياق طالبت هيئة الإذاعة البريطانية في بعض الأحيان باستبعاد الضحك الاصطناعي من بعض المسلسلات الكوميدية الأمريكية لأغراض تجارية، خاصة فيما يتعلق بالمسلسل الكوميدي« ماش» الذي تدور أحداثه في مستشفى ميداني خلال الحرب الكورية والذي يشتمل على مجموعة محكمة متميزة من الفكاهات، اعتبرتها هيئة الإذاعة البريطانية أقل فاعليةبسبب تلك الضحكات المسجلة المصاحبة لها.
السعال الاجتماعي
واستكمالاً لموضوع الضحك وتأثيره على الجو الاجتماعي المسرحي يعتبر السعال في إحدى قاعات العرض ظاهرة معدية اجتماعياً أيضاً، وقد ابتكر بينيبيكر أداة لقياس السعال من خلال التصميم الخاص لمقاعد الجلوس بشكل يمكنه أن يكشف عن تكرار ومواضع نوبات السعال التي تحدث خلال فترة قصيرة بين الجمهور، ومن خلال هذا الاسلوب كان هذا الباحث قادراً على الكشف عن أن الناس يسعلون عندما يوجدون وسط مجموعات كبيرة العدد من الناس أكثر من قيامهم بهذا وسط مجموعات صغيرة العدد، وأنهم يميلون أيضاً للسعال عندما يسعل الآخرون، مؤكداً أن السعال يميل إلى الانتشار بدءاً من النقطة التي انطلق منها على نحو جذري يذكرنا بتموجات الماء التي تحدث نتيجة إلقاء حصاة في بركةراكدة،كل شخص يطلق نوبات السعال لدى الشخص الذي يليه وهكذا.
أثر العدوى
وأشار بينيبيكر إلى أن أثر العدوى هذا قد يرجع إلى أن الناس يوجهون انتباهاً زائداً إلى الأحاسيس الخاصة بمنطقة الزور والتي تسبق عادة حدوث السعال، فيما هناك تفسير بديل آخر يقول إن هذا قد يحدث نتيجة لكف « الكف» الاجتماعي... فإذا كان الآخرون يفعلون ذلك فلماذا لا أفعلها أنا؟ ومن المحتمل أن يقوم هذان العاملان معاً بالاسهام في حدوث هذه الظاهرة ولا عجب عند المؤلف في ذلك بأن تكون بعض المؤثرات الموسمية قد اكتشفت أيضاً، فالناس يسعلون في الشتاء أكثر عندما يعتل الزور وتنتشر الالتهابات، وربما كان الناس يدخرون نوبات سعالهم لجوانب الأداء الأخرى الأقل إثارة للاهتمام، أو حتى يحين الوقت المناسب لإظهارالاستحسان عند نهاية مشهد معين، ومن المحتمل ربما أن يستفاد من السعال كمؤشر للملل إذا كان هناك محاولة ما من المخرج أو المؤدين لتحسين عرضهم بعد ليلة الافتتاح، وأخيراً يذكر أن مترجم الكتاب إلى العربية الدكتور شاكر عبد الحميد وراجعه محمد عناني.