العملية فاجأت المرتزقة الإرهابيين والعدو الصهيوني الذي، بحسب الصحافة الإسرائيلية، يكابد أعلى درجات القلق من تقدم العملية في القنيطرة ودرعا، والتي بددت بثلاثة أيام جهود عام كامل من الدعم الإسرائيلي للجماعات الإرهابية التي تتلقى التدريب والعلاج في قواعد تابعة له، وتقارير الإعلام تتحدث عن حجم العلاقة العضوية القائمة بين كيان الاحتلال الصهيوني والعصابات الإرهابية. وقد أعلن بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني عن أن نحو 1600 عنصر إرهابي من تلك العصابات الإرهابية يتدربون في إسرائيل. لذلك، وهذا ليس بجديد، امتلأت المشافي الإسرائيلية بجرحاهم، ما جعل رئيس وزراء العدو يقف على تخوم الجبهة ليرفع من معنوياتهم، في الوقت الذي لم يتجرأ على الذهاب إلى مزارع شبعا اللبنانية ليرفع معنويات جنوده المنهارة بعد عملية المقاومة هناك.
العملية بدأت على محاور ثلاثة بمواجهة جبهة النصرة المصنفة إرهابية على لوائح الأمم المتحدة، وبقايا ما يسمى الجيش الحر أي الميليشيات التي تلقى دعماً لوجستياً من الكيان الصهيوني والذين ينطلقون من الأردن من قاعدة «موك»، ولجأ مغاوير الجيش العربي السوري إلى تكتيكات خلاقة في مختلف الظروف الجغرافية والمناخية القاسية وشلت دفاعات الإرهابيين وحررت دير العدس وكانت الخطوة الأولى التي ستمهد لانهيارهم وصولاً إلى التلال الإستراتيجية على الحدود السورية الأردنية.
ومع أن العملية قدمت رسائل لكل من النظامين الأردني والصهيوني، فإن بعض المحللين يرى أن هذا الكيان لن يقف مكتوف اليدين أمام هذه العملية التي جعلت مرتزقته من الأجانب وفلول ما يسمى الجيش الحر التابع لجماعة الإخوان المسلمين، يدخلون في حالة يأس وشلل شديدين، ما حدا ببعض أطراف مايسمى بالمعارضة الذين يرغبون بعلاقات ودٍ مع الكيان الصهيوني إلى توسله لقصف الجيش السوري في درعا والجولان، بحسب صحيفة جوريزاليم بوست الصهيونية. وحقيقة الأمر أن الذين دأبوا على شكر العدو الصهيوني كلما نفذ عدواناً غادراً على سورية أو لعب في الوقت الضائع، اختاروا العدو وخياراته وخرجوا من الخيارات الوطنية نحو العمالة والخيانة... سواء من يعملون عسكرياً تحت غطاء الكيان الصهيوني في الجولان اليوم، أو ممن يبشرون بالاعتراف به ويقدمون مبادرات لإعطائه السلام والجولان وفلسطين.
والصحيح أن إسرائيل تخشى من الدخول في حرب مع سورية. وقد يعمل الكيان الصهيوني للحفاظ على وجود جبهة النصرة على الخط الفاصل بين الجولان السوري المحتل وأراضي الجولان المحررة منذ عام 1973، وإذا لجأ إلى هذا الخيار فإنه سيتورط مباشرة في الحرب وهذا بمنزلة الانتحار السياسي لنتنياهو، لأن محور المقاومة جاهز ليرد، ولن يحقق الاحتلال الإسرائيلي ما عجز عنه على مدى عقود ولا ما عجز عنه حلف العدوان والإرهاب على مدى سنوات.
ويفترض محللون آخرون أن الحلف الصهيو أميركي سيتحرك بمواجهة تقدم الجيش العربي السوري وحصاره التام للمجموعات التكفيرية المتصهينة في درعا وفي حلب، وسيحاول التصعيد من خلال جماعاته الإرهابية في الغوطة الشرقية وخاصة المسماة بجيش الإسلام المعمّد من بني سعود، وحيث لا تخفى على أحد التوءمة المعلنة على الملأ بين تل أبيب والرياض، فإن هذه الجماعة حتى منذ قبل بدء العملية العسكرية السورية في الجنوب سعت إلى مشاغلة الجيش العربي السوري عبر قصف المدنيين في دمشق، وقد تلجأ واشنطن إلى دفع فلول تنظيم داعش نحو الحسكة ودير الزور، بعد حالة الشلل التي اعترته بسبب ضربات الجيش العربي السوري وفرار عناصره الجماعي، ورفض من لم يفر تنفيذ عمليات انتحارية، علاوة على أن عناصره لم يعودوا يمتثلون لأوامر قادتهم كما من قبل.
ولأن التحالف الأميركي ضد داعش ينوس ويتأرجح بين دعم الإرهاب وبين الحرب على الإرهاب فإن ثمة سيناريو بالتلويح بالتدخل البري الأميركي بذريعة محاربة داعش للضغط على الدولة السورية من أجل الابتعاد عن حدود الجولان المحتل في ظل الضبابية والتردد الأوروبي والأميركي بالالتزام بقرار مجلس الأمن 2170 وحالة الهلع التي تسود في أوروبا وأميركا من غول داعش. وقد أرسل أوباما إلى الكونغرس اقتراحه المملوء بالأكاذيب طالباً الإذن بتدخل بري ضد داعش في أي مكان وأي زمان ودونما حدود، والهدف تصعيد الحرب غير الشرعية في نسخة جديدة من الحروب التراجيدية الأميركية وفي تصادم مباشر مع الشعوب للسيطرة على الموارد الاقتصادية والمناطق الجيواستراتيجية في أوكرانيا وإفريقيا والمنطقة، لتحجيم الصين عسكرياً واقتصادياً. وقد عمدت واشنطن إلى تخفيض أسعار النفط للضغط على الدول الحليفة لسورية لتقليص دعمها لسورية وترك الإرهابيين يسقطون الدولة السورية. وهكذا تحول النفط في الخليج إلى سلاح إرهابي آخر بيد مشيخات الخليج بمواجهة سورية، وأصدقائها.
سورية لجأت إلى خيار المقاومة لمجابهة المشروعات الأميركية، ومهما طال زمن الحرب فهي لن تذعن للغرب، والعدو الصهيوني يعرف أن عمليات الجيش في الجنوب تهدف بالدرجة الأولى إلى الرد على تعدياته ولن تهادن وسترد على أي عدوان في زمانه ومكانه، وستقضي مرتزقته الذين جاؤوا من كل أصقاع الأرض، لمؤازرة هذا الكيان الذي أخفق في جعل سورية تستسلم وتنفذ ما يريده منها عبر حلفائه وأعوانه وعملائه والموالين له.
كل ما تقدم دليل على تجانس الجيش العربي السوري واحتفاظه بمقدراته القتالية العالية بل ازدياد قوته في جوانب عسكرية وتكتيكية وتقنية رغم سنوات الحرب المدمرة، فتطوره النوعي في العمليات العسكرية من حيث تقسيم جبهة العمليات في الجنوب إلى محورين لكل محور قائده وخططه، سيجعل جملة من الأوراق الرابحة بيده وتسهل عملية قضائه على كل الجماعات الإرهابية، وستأتي ثمار هذه العملية سريعاً ليكون لها تداعياتها على الأعداء، كونها ستغيّر مجرى الأحداث في الداخل السوري وعلى صعيد المنطقة، وسترسم معالم جديدة في التعامل الدولي والمفاوضات الدولية تجاه الأزمة في سورية، ومؤشر على أن السنوات العجاف التي مرت على سورية تكاد تضع أوزارها بفضل حكمة قيادتها وقدرتها على قيادة الدفة نحو بر الأمان بكل اقتدار، فالحرب المدمرة التي تشن على سورية منذ أربع سنوات لم تنهها ولم تفتت جيشها بل زادته قوة، وهي لا تزال متلاحمة بمواجهة الأعداء الذين يعيشون في جلباب واشنطن، ووضعت خططها للمرحلة القادمة في التعاون مع كل الدول التي وقفت معها في سنوات العدوان عليها وستزداد أهميتها في المعادلات الإقليمية.