ومن يدعم سياسات الظلم العالمي والعدوان على حق الشعوب بالحرية والاستقلال وتقرير المصير بالإرادة الوطنية، بل بمصلحة شعوب الأرض المتطلعة نحو نظام دولي عادل وديمقراطي، تتجسد فيه القيم الإنسانية كما جاء في حديث السيد الرئيس بشار الأسد الى مجلة (لاريبوبليكا) الإيطالية.
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لم تشهد أميركا تحقيق أي إستراتيجية بنتها بعد التغيير الذي أجرته على وثيقة الأمن القومي بعد حوادث الحادي عشر من أيلول من عام 2001 وإعطاء قضية الحرب على الإرهاب الدولي الأرجحية على كل سياسة، وممارسة إستراتيجية الحرب الاستباقية، وتجفيف منابع الإرهاب، دون تحديد قانوني دولي متفق عليه حول معنى الإرهاب، والفارق بينه وبين النضال الوطني التحرري المشروع للأمم التي لاتزال لها أراض محتلة ويدعوها واجب الكفاح الوطني دوما لتحريرها.
ومع كل ما فعلته أميركا، من سلوك امبراطوري وما حددته زيفاً من محور الشر، أو دول مارقة أو مهددة للأمن القومي الأميركي، وتوقيع أقصى أشكال العقوبات الممكنة عليها لكنها وجدت نفسها إلى جانب إسرائيل تخوض حروبا عدوانية خاسرة وتزرع بذور الكراهية لها في كل منطقة جيو استراتيجية من القارات الخمس.
وأكثر من ذلك بدأت أميركا في نهاية زمن إدارة دبليوبوش- تتلمس بكامل حواسها السياسية والحقوقية تململاً لدى الأمم من أشكال سياساتها العدوانية ورفضاً لتطلعاتها بدءاً من السيطرة على أوراسيا إلى تفكيك الشرق الأوسط وإعادة تركيبه عبر الفوضى الخلاقة إلى صدام المدنيات، إلى الدرع الصاروخي في آسيا الوسطى، إلى الدخول في جيواستراتيجية موسكو، ونيودلهي وبكين لمنع نشوء قطب جديد ينتزع منها إدارة الحكومة العالمية منفردة أو يدعو ويعمل من أجل عالم متعدد القطبية الدولية.
وإزاء هذه المخاوف الأميركية والاحتسابات من أن يفلت زمام إدارة العالم من يديها لم يكن لديها تطلع خاص بها أولاً بل كانت ولاتزال تعطي الرجحان في سياساتها ماوراء البحار لدعم المشروع الصهيوني على أرض العرب وحماية توسعه، وتوفير المظلة الصاروخية الضامنة لأمنه من محيطه العربي الذي لم يستسلم بعد ولن يستسلم بهذه السياسات العدوانية وحروبها المتعاقبة والفاشلة طالما أن قاعدة الحق الساطع والشعب الواسع كما قال القائد الخالد حافظ الأسد ستبقى حاكمة حتى ينحسم هذا الصراع لمصلحة العرب وتهزم دولة العدوان.
ولاتزال إسرائيل المأزومة من الداخل منذ خسارة الحرب على حزب الله عام 2006 وتقرير فينوغراد الى خسارة الحرب على غزة وتقرير غولدستون، إلى اليوم بانتهاء أعمال مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار السلاح النووي الذي انعقد في نيويورك حيث تمكن ممثلو 189 دولة للمرة الأولى خلال عشر سنوات من اعتماد الوثيقة النهائية التي تتضمن دعوة إسرائيل- بالاسم- للانضمام للمعاهدة، وفتح منشآتها للتفتيش رغم معارضة أميركا بادئ الأمر ثم إذعانها للإجماع الدولي ضد إسرائيل وما هو علامة بارزة في هذا المؤتمر ميزت المجموعة العربية تمثل بتمسك الدول العربية بتسمية إسرائيل لدى دعوتها للانضمام للمعاهدة المعنية ومما يريح في هذا النجاح للعرب هو عدم السماح بربط ذكر إسرائيل بذكر إيران كدولة غير ملتزمة ببنود المعاهدة وقرارات مجلس الأمن وهنا تعطينا الصورة أن التفكير العربي قد بدأ ينصب علىالعدو الصهيوني وسقوط محاولات العدو البديل التي ما فتئت أمريكا وإسرائيل ترسخانها ليتم إقناع العرب بالانحراف عن جوهر الصراع الحقيقي مع العدو الحقيقي باتجاه العدو الوهمي كما قال السيد الرئيس بشار الأسد.
وحين نحلل هذه اللحظة التاريخية للموقف العربي الواحد وكيف أجبرت فيها أمريكا على مواكبة مطالب المجتمع الدولي وكيف رحبت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي (كاترين أشتون) وكيف رحبت فرنسا على لسان برنار كوشنير وبالمقابل كيف عبرت إسرائيل عن استيائها من الاتفاق ومن الإشارة إليها بالاسم ما حدا بأحد المسؤولين الإسرائيليين لم يكشف عن اسمه ليقول: هذا الاتفاق مطبوع بالنفاق لكونه لم يشر إلا إلى إسرائيل وقد أعلنت إسرائيل بأنها لن تشارك في تطبيق الاتفاق الذي توصل إليه المؤتمر وفي بيان للحكومة الإسرائيلية صدر في تورينتو التي وصل إليها رئيس الحكومة الصهيونية نتنياهو تم التأكيد على أن إسرائيل لن تشارك في تطبيقه.
بطبيعة الحال إن إسرائيل المأزومة من الداخل أصبحت تضيق صدراً بالهزائم الخارجية ولم يعد أمامها سوى ممارسة المزيد من الصلف والاستكبار ورفض إرادة المجتمع الدولي وها هي ترسل سفنها الحربية لاعتراض أسطول الحرية الذي يعبر عن روح الرفض الواضحة لسياسة هذا الكيان الذي لم يعد يعكر الحياة الدولية سوى عدوانه على العرب أصحاب الحقوق التاريخية وسوى حصاره الجائر واللاإنساني على غزة.
فإذا كان أسطول الحرية سيكون سلاحه المزيد من الدعم الدولي له فلا بد أن يكون هذا المجتمع في الزمن القريب الرافعة الأهم لقضايا الحرية في لحظة تاريخية تنهي عهداً للطغيان وتفتح عصراً لحرية الأوطان والإنسان ومياه غزة الإقليمية محرق المرآة العالمية الراهنة... ولا بد أن تثمر الصرخة إلى متى؟