فما هو التفوق وشروطه ومادور الأسرة والمدرسة على السواء في تنمية قدرات المتفوق وتوفير البيئة المناسبة له.؟
بداية يعرف التفوق بأنه قدرة الفرد على التواصل الاجتماعي، ومعرفة الآخرين وقدرته على الإبداع والابتكار، بمعنى أنه مجموعة من القدرات التي يتمكن منها الشخص للوصول إلى مايريده، وفي هذا الإطار تؤكد الدكتورة هناء برقاوي من جامعة دمشق قسم علم الاجتماع أن التفوق لايظهر فجأة وبالتالي لايمكن القول إن شاباً ما في الخامسة عشرة قد انتقل من حالة متوسطة إلى حالة متفوقة لأن التفوق بالأساس يبدأ بسن مبكرة مما يتطلب من الأهل مراقبة أبنائهم ومعرفة من بين هؤلاء الأطفال الشخص الذي سيكون متفوقاً مستقبلاً، وللتدليل على ذلك يستخدم بعض الأطفال ويافعين مفردات كلامية مايشير إلى أن المتفوق من يمتلك مفردات لغوية كبيرة إلى جانب قدرته على التلفظ بعبارات يستغربها الآخرون كأن يقول عبارة علمية أو تبرز مهارته في إيجاد حلول للمشكلات.
وعلى صعيد المنهاج الدرسي يجد المتفوق أن مايأخذه في السنوات الدراسية، وإن كان كبيراً هو أقل من القدرات العقلية لديه، فنرى هذا الطالب حين يعود للمنزل، ربما يقول على سبيل المثال لاالحصر «شوها المدرسة شوها المنهاج» وهنا تكثر الأسئلة لدرجة أن بعض الأساتذة يضجرون من أسئلة هؤلاء وخاصة عندما يتمكن طلاب المراحل المتقدمة من تصويب مواقع الخطأ في المنهاج الدرسي.
التفوق والاجتهاد
وفيما إذا كان يرتبط موضوع التفوق بالاجتهاد تشير د. برقاوي في حديثها عن علاقة الشباب بالتفوق الذي ناقشته وسائل الإعلام أكثر من مرة وخاصة الفضائية السورية، إلى أن الحديث في هذا المقام لايخص التفوق التحصيلي وإنما الذكاء بمفهومه العام الذي يكون متفوقاً بكل شيء وقادراً على التكيف مع الوسط الاجتماعي وحل المشكلات الطارئة حيث يكون مبدعاً تحديداً بمادة الرياضيات والتي تحتاج إلى تحليل وتركيب واستنباط حلول جديدة وهذا ما يميزه طبعاً.
وفي حال سحبنا موضوع التفوق والذكاء على الاجتهاد هل من الضروري أن يكون الشخص المتفوق متفوقاً بكل شيء؟
سؤال توضحه الدكتورة برقاوي بالقول: إذا كان الشخص مبدعاً يجب أن يكون متفوقاً.
لكن هناك جوانب محددة للإنسان يستطيع أن يبرز فيها ويكون متفوقاً، حيث البعض تبرز عبقريتهم بالموسيقا وآخرون بالرياضيات واللغة العربية وغيرها، فهذا الجانب تحصيل اجتهادي، أي القدرات الذكائية تكون في جانب محدد من الجوانب المتكاملة وغالباً بالدول الأخرى يركزون على هذا الجانب حسب رأي برقاوي، فيحاولون تدريب هذا الشخص وتنمية مالديه للاستفادة من خبراته التي تجعله متفوقاً بهذا المجال.
شروط موضوعية وبيئية
وفيما إذا كان التفوق لدى الشباب يحتاج إلى شروط موضوعية وبيئية فإن الجواب هو الإيجاب، وحسب تأكيد برقاوي فإنه لايمكن الإقرار بشروط بيئية وحدها فهناك مجموعة من النواحي التي تساعد الشخص على أن يبقى متفوقاً طيلة مسيرة حياته، فإذا أخذنا الناحية الجسدية فدائماً يقال العقل السليم في الجسم السليم، وبالتالي يجب أن يتمتع المتفوق بصحة جسدية سليمة كي يستطيع أن يبدع في مجاله، فيما الشخص المريض غير قادر على الإبداع في أي جانب من الجوانب، أيضاً فإن الأمر المهم الآخر هو وجود توفر الظروف البيئية التي تساعد على إبراز جوانب التفوق لدى الطفل والشاب والطالب وفي مقدمتها أجواء الأسرة المتفاهمة والتي تعرف وتقدر حدود وقدرات أبنائها المعرفية والعقلية وتساهم في تنميتها، ويتعزز ذلك أيضاً أكثر لمن تكون لديه قدرات وراثية بمعنى أن أبويه أذكياء والوسط الذي نشأ فيه يتمتع بمعدلات ذكاء عالية مايمكن لهذا الشخص أو ذاك أن يولد وعنده قدرات ذكائية.
والتي غالباً ماتساعد الشخص المتفوق الذي يمتلك جميع هذه النواحي من القدرة على التواصل مع الآخرين وخلق جسور المحبة والتعاون معهم.
ومما أشارت إليه الأستاذة برقاوي هو أهمية توفير شروط التفوق ، فإلى جانب النظام العام يجب أن يكون هناك انتظام بالوقت والقدرة على التعاطي مع المواد الدرسية بصورة متكاملة، كأن يهمل الطالب مواد أخرى على حساب مواد يحبها كالرياضيات وغيرها، بالإضافة إلي الدراسة المتواصلة وعدم الانشغال بأي مواد أخرى، فيما تلعب الأسرة المتماسكة دوراً إيجابياً في مساعدة الشباب والشابات على الدراسة والتحصيل والعناية بصحته وغذائه ليسهل بذلك عملية القراءة والفهم.
باختصار إن مساعدة الطالب هي مسؤولية الأهل والمدرسة على السواء وأحياناً تكون المدرسة عاملاً معيناً للتفوق عندما يكون المنهاج غير قادر من وجهة نظر الطالب للتعامل معه أو لايوجد سلاسة في أسلوب المدرس، أي لاتصل المعلومة للمتلقي بالشكل الواجب أن تصل مما يخلق مللاً وضجراً عند المجتهدين والمتفوقين.
أخيراً يمكن القول إن موضوع التفوق لايمكن الإحاطة به بشكل كامل فهو مسألة غنية نحتاج للعديد من الدراسات والاستقراءات في إطار جملة العوامل الحافزة والمتوفرة في بنية المجتمع وماتقدم هو فقط إشارة لأهمية موضوع التفوق.