هذه المدينة التي تشكل عشقاً وحالة استثنائية للكثيرين لما لها من خصوصية مكان وزمان... وتاريخ.. عريق.
عز الشرق أوله دمشق
عنون الدكتور موسى مداخلته بالتلوينات الحضارية في / الطريق إلى دمشق/ حيث يرى أن دمشق من أكثر الأماكن ألفة في حاضرنا وأبعد تجذراً في التاريخ والحضارة لتكون من منظوره لما فيها من دهشة وطرافة وبما هو مخبوء ومطمور في صفحات تاريخها.. يزيد على ما نعرفه حتى الآن.. لتكون بذلك مدينة الغرائب والعجائب فمنها انطلق العالم إلى العالم لا ليفتح العواصم ويجمع الغنائم وإنما ليرسل الحرف رسولاً في أبجديات الحضارة.
من هنا انطلق أمير الشعراء ليقول إن: عز الشرق أوله دمشق..
وبهذا تتفاوت درجات العشق لدمشق.. فهناك من يموت لتحيا كما فعل يوسف العظمة والبعض يبذل ماله وصوته الانتخابي لتكون دمشق كما يريدها والبعض يحب ماضيها أو حاضرها ويتعدد الحب الدمشقي لتبقى هي الأصل ويصل بنا د. موسى إلى حب نذير العظمة لدمشق وكيف هي في عينيه فإذا هو من فئة العشاق الذين يحبون دمشق مهرة بيضاء مجنحة تزداد ألقاً وبهجة في طيرانها وتحليقها عالياً لينظرها الجميع..
وأتى في بداية حديثه.. أن د. العظمة شاعر من شعراء مجلة /شعر/ ومن مؤسسي حركة الحداثة في سورية.
في مجموعته /الطريق إلى دمشق/ الصادرة عن منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب 2009- هناك رؤية مستقبلية منطلقها حضاري فدمشق مدينة السحر والخيال والمستقبل واختار لنا د. موسى قصيدة تحمل عنوان نفس المجموعة الشعرية حيث تلخص ما جاء فيها وتكون مفتاحاً لما يليها حيث أتت مكثفة بلا زوائد أو تفاصيل تقول القصيدة:
-ماوصلنا إلى دمشق ولكن
قد سلكنا إلى دمشق السبيلا
-كم أكلنا من خبزها وشبعنا
وشربنا من مائها سلسبيلا
- وحلمنا بأننا في ثراها
نزرع الحب والإخاء الجميلا
ويرى الدكتور موسى أن د. نذير العظمة ينطلق في هذه المجموعة من قناعة وايمان بأن التاريخ والحضارة لايموتان.. وانما يكونان النهضة والمستقبل..
ومن هذا اختار لنا د. موسى ومضة شعرية تقول:
- الرّحم إن كانت رطبه
- الماء يدفقها.. عذبه
- ومواسم يبدعها الرحمن.. بيد الإنسان
أما في قصيدته /صافيتا البرج/ فيرى أن الحضارة روح.. وهي باقية لا تموت كما العنقاء تنهض دائماً من رمادها:
- قد يسقط الجسد البالي وهيكله
لكنما الروح روح غير مخذول
- وتلك روما على العدوان نفجؤها
بتدمر أعجزت حلم الأزاميل
أيضاً في موضع شعري آخر بعنوان / الطريق إلى ذات العماد/ يأتي بشاهد شعري تظهر فيه دمشق كطائر العنقاء:
- ما بلغنا ذات العماد ولكن
نحن ياصاح في الطريق إليها
- قد جرفنا عنها الرمال وقلنا
انظروا كيف أغمضت عينيها
وحيث التاريخ لا يموت والحضارة باقية.. رغم العواصف والهزات فهي دائماً معمدة بالدم.. ليكون الطريق إلى الشهادة.. سبيل الانتصارات والبقاء.. ولهذا تغنى د. العظمة بالشهادة والشهداء في قصيدة/يوسف الأجيال/
- رددت إلى التاريخ عزة أمسه
وعانقته حتى تصوغ زاكيا
-جبلت الثرى بالدم حين ضممته
وعلقته شمساً تضيء الدواجيا
- وحين تعمدت التراب تفتحت
كما الرحم أرض تستضيئ العواليا
أيضاً يعرض لنا د. موسى مثالاً حول انتصارات تشرين من قصيدة د. العظمة /صهيل الروح/
- إني مع الحق يا تشرين مغترب
لو كان لي وطن بالريش يكسوني
- حملت نارك منفياً ومحتبساً
وزادك الزاد بالأحلام يغذوني..
تتعدد صور دمشق وتتلون بجماليات خاصة من منظور الشاعر فهي دائماً جميلة بكل ما مر عليها وتعاقب من زمن فهي مدينة حضارية بهية..
المقاربة النقدية معيارية
أما د. عاطف بطرس فقد بدأ مداخلته النقدية.. بتعريف مكثف عن د. العظمة حيث قال: أصدر أول مجموعة شعرية عام 1952/ عتابا/ يمارس نشاطه الأدبي حتى اليوم من شعر ونقد وتأليف لتتجاوز أعماله خمسين مؤلفاً في مجالات الأدب كافة وتطرق د. بطرس لمجلة شعر التي أحدثت خلخلة في الذائقة الشعرية بما قدمته من ابداع وترجمات عالمية.
أما سمات د. العظمة فقد أتى على ذكرها بالقول: امتاز بسماحة الفكر والانفتاح على الثقافات الأخرى بدلالة كتابه/ التأصيل والتعريب/ حيث يطرح مواقف واضحة من الثقافات الأخرى، والتبادل المعرفي والفني بين شعوب العالم حيث العلاقة بين الأنا والآخر.
ويأتي د. بطرس على الدخول في المجموعة الشعرية لـ د. العظمة بما تطرحه من أسئلة.. وتأتي صعوبة الحكم على مجموعة شعرية ونقدها من صعوبة الاجابة على سؤال اشكالي هو /ما الشعر..؟/ فالجواب برأي د. بطرس عصي المنال.. صعب المرتقى، لأن الشعر يقوم على مبدأ تفجير أشكاله وتغيير أدواته وبذلك يصعب صياغة تعريف وبالتالي اصدار الأحكام النقدية على تجارب الشعراء فالمقاربة النقدية معيارية وكل مقاربة عرجاء ولكننا محكومون بما نهرب منه دائماً.
ويرى أن تجربة د. العظمة لا يمكن الحكم عليها أولها.. والناقد ليس سيافاً وقاطع أعناق.. علاقته مع النص وليس مع منتجه.. الناقد منحاز لثقافته وذائقته.
ليبقى السؤال ماذا أضافت هذه التجربة التي بين أيدينا إلى القصيدة..؟ بغض النظر عن أشكال ابداعها.. الشعر ليس شكلاً فقط.. وهو موجود في كل الأشكال.. التي عرفها الشعر العربي/ قصيدة الشطرين- التفعيلة- النثر/ وبهذا يكون الشكل الفني اسلوب الشاعر في رؤية ما حوله، القصيدة/ الشكل/ نمط تفكير وحياة، ويذكر مثالاً قصائد الرثاء على شكل شطرين عند الشاعر
لقدرة هذا الشكل على استيعاب مضمونه وأتى ذلك في قصيدة/ صالح العلي، أبو العلاء الدمشقي، كلمينا من الثرى إلى محمد الماغوط/
والسؤال حول هذه المجموعة ماذا أضافت إلى قصيدتي/ التفعيلة- والشطرين/ حيث اعتمدهما الشاعر في مجموعته.. أيضاً ماذا تحمل من خصوصية فنياً وابداعياً..؟