أتفق معها في الكثير من الأمور،
منها تسليع الجسد الجميل، ووضع جمال المرأة ورشاقتها ونحافتها في المرتبة الأولى لفتح الأبواب الموصدة، والحصول على الوظائف والمكافآت، ومنها ترسيخ الجمال إعلامياً، الدعاية له. بل إن معظم الناس يتعاملون مع أنفسهم كما لو أنهم أجساد فقط، وأكبر دليل على ذلك الارتفاع المذهل لعمليات التجميل لدى الجنسين ما يؤكد أن هناك عقدة دفينة لا واعية، وغالباً واعية، وهي عدم الرضى عن الذات. وأتفق معها على أن عصر العولمة فرض نماذج من الجمال لدى النساء والرجال، وأن الجنسين يلهثان لتحقيق الشكل الدارج للجسم البشري، ومن المؤسف أن هناك الكثير من الضحايا قد يدفعون حياتهم ثمناً لتسليع الجسد وفرض مقاييس للجمال، مثل بعض الأدوية والإبر التي تنمي العضلات لدى الرجال، والتي تسببت بتوقف القلب لدى العديد منهم، والآثار الكارثية أحياناً لعمليات التجميل لدى النساء.
يمكن التحدث طويلاً بهذا المجال، واحترام الآراء التي كان أساس إنشائها لجمعية الرضى عن الذات هو الدفاع عن البدينين ، إذ إنها لاحظت أن البدين مهمش في المجتمع، وأنه لا يحصل على الوظيفة التي يتمناها بسبب بدانته، وأن أجهزة الإعلام في العالم لا ترحب بالبدينين، بل تختار الإعلاميين ومقدمي البرامج ومذيعي الأخبار الذين يتمتعون بقسط وافر من الجمال، وبرأيها أن الوحيدة التي شذت عن القاعدة هي أوبرا وينفري، فهي مقدمة البرنامج الشهير البدينة..
وتشير الجمعية الى أن صورة البدين في الأفلام والمسلسلات وهي صورة هزلية دوماً، وغير محترمة- ودوماً هناك سخرية من البدين أو البدينة، وهذا ما يولد عقداً نفسية خطيرة ليس لدى البدناء فقط، بل لدى بقية الناس، إذ يصاب العديد من الشبان بمرض فقدان الشهية المرضي، فيمتنعون عن الطعام خشية البدانة، أو يصابون بالبوليميا، وهو الوجه الآخر من فقدان الشهية، إذ يلتهم المصاب بالبوليميا كميات هائلة من الطعام ثم يجبر نفسه أن يتقيأها..
أحيي الجهود والاهتمام بتلك الشريحة المظلومة فعلاً والتي تعاني من نظرة مجحفة بحقها وهي فئة البدينين، وأؤيدها بأن الإنسان ليس جسداً فقط، بل هو روح وعقل، وبأن الأساس هو للشخص، لحضوره وشخصيته وعلمه وميزاته.
وعلى هذا الأساس يجب أن يتم التعامل بين الناس والحصول على فرص في العمل والحياة..
لكن لا يجب الخلط بين الرضى عن الذات والبدانة، فأن يكون البدين راضياً عن نفسه شيء، والتأكيد أن البدانة مرض شيء آخر، فالبدانة مرض يجب أن يحارب من أجل مصلحة البدين، ولم يعد يخفى على أحد أن البدانة هي أساس العديد من الأمراض مثل السكري والضغط وأمراض القلب والعقم..الخ.
إن الرضى عن الذات شيء ومحاربة البدانة شيء آخر، ولا يمكن قبول منطق السيدة باركر التي تقول ليس من المنطقي أن يكون مقاس كل شعوب الأرض ميديوم(متوسط) أو سمول( صغير)، وبأن هناك مقاسات كبيرة للبدينين.
أتعجب من هذا المنطق المغلوط، كما لو أنها تبرر البدانة، وتعتبرها علامة صحية، بل إنها تؤكد أن ثمة جمالاً خاصاً لدى البدينين، وأن بعض الرجال يفضلون المرأة البدينة، والعكس أيضاً.
لا يجب ولا بأي شكل يا سيدة فاطمة تبرير البدانة، لأن البدانة مشكلة خطيرة انتبهت لها الحكومات ووزارات الصحة، وحتى العديد من المدارس منعت الطلاب من شراء المأكولات التي تسبب البدانة، وأجبرتهم على أكل التفاح والخضار في المدرسة..
ثمة خطوط رفيعة وحدود دقيقة بين المتناقضات أحياناً، ويجب أن نتمتع بالوضوح الذهني العالي والقدرة على المحاكمة الموضوعية والعلمية لكل ما يخصنا ويحدث في العالم حولنا، أن تؤسس جمعية الرضى عن الذات وتصرخ بالمجتمع حولها بضرورة احترام البدينين، لايعني أن البدانة ليست مرضاً يجب محاربته.
ولأنها تكاد تتحول الى زائرة دائمة في العديد من البرامج، بما للتلفزيون من تأثير سحري على الناس وخاصة على المراهقين، فإنني أتمنى لو تعيد النظر بأفكارها، لأن هناك الملايين من المشاهدين قد يتأثرون بكلامها ويتركون أنفسهم يغرقون في متع الطعام بلا حساب، مدعومين برضى السيدة فاطمة عن البدانة، كما لو أنها محامية الدفاع عن الكيلوات الزائدة في أجسادهم، غافلين عن السموم والأمراض المبطنة لعلة العصر البدانة...