قضايا ومشاكل، هموم واهتمامات، كلها تحضر دفعة واحدة على طاولة اللقاء العربي، نقاشات، مداولات، وأخيراً تصريحات وبيانات، والحال مستمر على شكله التقليدي وكأنه تراث توجب الحفاظ عليه.
واستناداً إلى هذه الصورة النمطية، صارت مواكبة القمم العربية ونتائجها، في آخر اهتمامات الأجندات والاستراتيجيات الدولية التي لا تعيرها اهتماماً, فهي لم ولن تنفع في توسيع دائرة الحراك السياسي العالمي، ولا تظهر شكلاً جديداً للاقتصاد الكوني.
الحال هذا يسجله شريط الذاكرة للمواطن العربي، أينما حل وارتحل، ومقابل ذلك، ترتسم في الذاكرة العربية الحاضرة، صور ومشاهد ومقاطع لوحة من القوة والجبروت ما يثير لديه دوماً التساؤلات التالية:
ما الذي يمنع قادة أمة واحدة، قدرها التاريخي والوجودي والديني والثقافي والجغرافي أبدي، أزلي، مهما علا شأن جزء من محيطها، لا يمكن السمو دون كوكبة الأجزاء الأخرى، هي أمة توفرت لها، الامكانات، والطاقات وكانت معقل أعرق وأسمى الحضارات، وهي تسجل مع الزمن انجازات لا يستهان بها، فلماذا لا تكون إرادتها السياسية واحدة؟ لماذا لا ينظر القادة من رؤساء وملوك وأمراء وهم يمثلون بلداناً تنهض وتعمل بشكل فردي أو إقليمي بمساعدة هذا أو ذاك، لماذا لا ينظرون إلى قدرتهم على اتخاذ خطوات تنفيذية شجاعة تعبر عن حال أمتهم ورغبة شعوبهم، وما الضير لو قالوا مثلاً إننا اليوم في أمس الحاجة إلى فتح الحدود المصطنعة ما بين بلداننا وشعوبنا، وهل يجوز أن تكون حدود دولة عربية مع تركيا أو إيران أو غيرها سالكة دون تأشيرات عبور وانتقلت إلى ميدان التعاون الاستراتيجي، وبين تلك الدولة وأخواتها العربيات، ضوابط وموانع وبوليس وجمارك وتأشيرات مسبقة، وغيرها..!
ثمة سؤال آخر يطرح باستمرار ولاشك أنه حاضر في أذهان قادة الأمة، ما الذي يمنع من اعتماد عملة عربية موحدة، تذكر بقوة الدينار العربي الإسلامي؟
ما الذي يمنع الشباب العربي من زراعة وتنمية الأراضي الخاوية والمساحات الشاسعة التي تعصف بها الرمال والرياح، وهم في أمس الحاجة إلى فرصة عمل، مازال هاجسهم الدائم البحث عنها في كندا أو أمريكا أو البرازيل؟!
ما الذي يمنع القادة العرب من إصلاح مؤسستهم السياسية (الجامعة العربية) التي هي بأمس الحاجة إلى تفعيل دورها وتنشيط مراكزها البحثية والاجتماعية والأكاديمية وإحداث جامعة عربية كبرى، مركزها عاصمة ما وفروعها في كل الدول العربية، اهتماماتها، رغباتها، البحث العلمي ومواكبة ثورة المعلومات والاقتصاد المدني!
ما الذي يمنع من التفكير والعمل على إقامة مؤسسات طبية وصحية وتكنولوجية تمكن آلاف العقول العربية المبدعة في بلدان الاغتراب والتي تتوق إلى تنسم هواء بلدانها وتنشق عبق أزهاره من العودة والعمل في تلك المؤسسات؟!
ما وما وما.. وكثيرة هي مقاطع الصورة الكبرى، لأن أهم أجزاء الصورة المشهد, وتبقى الحسرة العربية التالية: لماذا نحن عاجزون عن حماية مقدساتنا وعقيدتنا وأرضنا؟ وهل نحن أعجز من أن ندافع عنها أو أن نستردها من غاصب محتل؟ وهل المطالبة بحقنا في عودة الأرض، وحماية التراث وصون الدين الحق، والعيش بسلام على هذه الأرض أصبح من مخلفات الماضي أو من التخلف والرجعية؟!
وما الذي أصاب هذه الأمة وهي تنظر من حولها وقد احتلت العراق بعد فلسطين، وصار المحتل في بلداننا سيداً وصاحب حق وشرعية والذي يدافع عن أرضه ويكافح الجوع والمرض والبطش من خلف جدران عازلة، أضحى إرهابياً وشريراً وقاطع طريق النظام العولمي الجديد!
المواطن العربي، ومهما تعددت جوانب المشهد السلبي وازدادت سوداوية النفق الطويل فإنه مازال يراهن على شعاع ضوء، وبصيص أمل، عله يغفو ليلة انعقاد قمة عربية ويصحو ليجد القادة الكبار وقد اتخذوا قراراً واحداً, على إسرائيل الانسحاب من الأراضي العربية وإقامة الدولة الفلسطينية وإبرام اتفاق سلام شامل ودائم خلال فترة تحضيرية لا تتجاوز تاريخ انعقاد القمة القادمة، وإلا: فالعرب قادرون على استعادة حقوقهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، وبما تكفل المواثيق والشرعية الدولية وحينها سنرى كيف يتعامل معنا الآخرون!