وحوامل تقديم الإمدادات المادية، والمعنوية له لوجدنا أنفسنا أمام حالات وعروض مسرحية في غاية التفاوت من حيث المواضيع، وطرائق التناول. كما يلاحظ قلة الأعمال المسرحية الطفلية وخاصة ونحن الآن بحاجة ماسة للعروض المسرحية التي من المفروض أن تساير التطور التكنولوجي المفروض بخطورة على الأطفال . سواء عن طريق التلفاز، أم الكومبيوتر، أم الإنترنت..
عمدت إلى طرح عدد من الأسئلة المتنوعة على بعض المهتمين بشؤون المسرح من حيث النص والإخراج .
وكان السؤال التالي:
- هل لدينا كتّاب نصوص مسرح جيدون في الوقت الحالي؟
فقد أجاب الأستاذ المسرحي محمد بري العواني (حضور النص المسرحي بشكل جيد في سورية، فلدينا كتاب جيدون لهم حضورهم في النثر المحلي، وفي المسابقات السورية، والعربية، ولكن العرض المسرحي هو الذي يبدو غائباً وهذا من مهام وزارة الثقافة، والتربية، والمنظمات التي تعنى بالأطفال. وليس المقصود هنا: المهرجانات الموسمية، وإنما المقصود هو الظاهرة المسرحية الاجتماعية التي تتواجد على مدى العام، يمارسها الطفل مع مدرسته أو أسرته بشكل دائم. إذاً لا يوجد لدينا مسرح أطفال دائم.
- إننا نلمس تعلق الطفل بشكل لافت للنظر حيال ما يعرض أمامه من مسرح متضمن لألعاب العرائس، فيكون في غاية السرور عندما يشاهدها لدرجة أنه يسعى للاقتراب منها بل للمسها والتحدث معها. فأين دور هذه العروض في تقدم الحركة المسرحية؟
أجاب العواني:( مسرح العرائس غير موجود. وإذا كانت وزارة الثقافة قد أنشأت مديرية لمسرح الأطفال بما فيها مسرح العرائس فإن عدم اتخاذ هذا المسرح مشروعاً تنموياً يعني إقصاءه إلى البعيد. ما يجعل الممثلين يهربون إلى ماهو أجدى فنياً ومالياً، وشهرة مع أن فناني الأطفال في العالم هم الأكثر حضوراً،وشهرة، وأجوراً).
- للنص المسرحي الموجّه للأطفال خصوصيات مميزة يجب على المجتهدين في تقديم النصوص الجيدة الانتباه إليها، والعمل بها وإلا بقينا نراوح في مكاننا.
أجاب الأستاذ نور الدين الهاشمي (بأن النص المسرحي الموجه للطفل يجب أن يحمل قيمة تربوية تنساب إلى عقل وروح الطفل في النهاية، ولكن هذا لا يجوز أبداً على حساب المتعة، والدهشة، كما أن النص المسرحي الطفلي يعتمد على الحكاية المشوقة.. ويجب أن يكون الصراع واضحاً في المسرحية بين الخير، والشر.. والقبيح، والجميل.. ومن المفروض أن ينتصر الخير في النهاية، وألا يكون الانتصار سهلاً، غير مقنع. كما يمتاز النص الطفلي بقصر الجمل ووضوحها ، وقلة الحوار وكثرة الحركة، ولابد من بعض الأغاني التي تفيد النص سواء في بناء الشخصية، أم دفع النص المسرحي إلى الأمام .
- أما عن أهم كتّاب النص المسرحي، وأوضاع النصوص المعروضة على خشبات المسارح في سورية فقد ذكر الأستاذ نور الدين الهاشمي ( هناك في سورية عدد جيد من كتّاب مسرح الطفل مثل: الأستاذ فرحان بلبل ، بري العواني، وهيثم الخواجة، نور الدين الهاشمي، وسلام اليماني، ومحمد أبو معتوق، وأحمد اسماعيل، وعدنان جودة، وعيسى أيوب.
فقد كتبوا عشرات النصوص المسرحية، وقدم معظمها على خشبات مسارح القطر، وخارجه. كما أن دراسات جيدة قد قدمت في هذا المجال. ومع ذلك فإن مسرح الطفل لم يصبح بعد ظاهرة عميقة في حياتنا بل هو أسير المناسبات ، والمهرجانات إضافة إلى استغلال بعض الفرق التجارية لعطش الأطفال إلى هذا النص الجميل فيقدمون عروضاً سطحية سخيفة.. مسيئين بذلك إلى الأطفال والمسرح.
- هل النص المسرحي متوفر كحالة عرض في المكتبات والمعارض؟
أجاب الأستاذ جوان جان (نلاحظ أن دور النشر الخاصة تتجنب بالعموم خوض مغامرة نشر نصوص مسرحية . سواء للأطفال،أم الكبار نظراً لمحدودية سوق النص المسرحي. وبذلك الأمر محصوراً باتحاد الكتّاب العرب، ووزارة الثقافة، وهما الجهتان الرسميتان اللتان مازالتا تحرصان على نشر النص المسرحي الطفلي ذي المستوى الجيد في كثير من الأحيان .
ومن الطبيعي ألا يقبل الطفل على قراءة النص المسرحي لأن هذه النصوص لا تكتب ليقرأها الطفل بقدر ما تكتب ليطلع عليها المخرجون لينقلوها إلى خشبة المسرح . فهذه النصوص لا تأخذ بعين الاعتبار القارئ الطفل الذي يفضل القصص العادية، والملونة على النص المسرحي ذي الطبيعة الجافة، والتقنية التي لا يتفاعل معها الطفل. بل تأخذ بعين الاعتبار القارئ الكبير( المخرج المسرحي تحديداً) الذي تقع على عاتقه مسؤولية نقل النص المسرحي إلى خشبة المسرح.
- وللنص المسرحي عوامل مهمة جداً يخضع من خلالها لعملية الإخراج. ولكي يصل النص إلى هذه المرحلة المهمة لابد له من توفر المقومات التالية:
الأستاذ المخرج وليد عمر قال: (يجب أن يكون النص بعيداً عن الضبابية الفكرية التي من شأنها أن توقع الطفل في متاهات دون أن نشعر بذلك، كما أن لغة الحوار بين الشخصيات لابد لها من أن تتناسب مع فكر الشخصية وتركيبها الأساسي. مثل ذلك: شخصية الفلاح.. الطبيب..
ومن المفترض أن تكون لغة النص سهلة بسيطة، بعيدة عن التعقيد لدرجة أن الطفل المتلقي يحفظها غيباً ويتحدث بها بعد انتهاء العرض مباشرة.
وغاية النص أن يتماشى مع الأهداف التربوية والتعليمية والتطورات التقنية والمعلوماتية. لأننا أمام طفل لا نستطيع الكذب عليه أبداً.
هذا التفرد في الحالة الإبداعية لمسرح الأطفال لا يتحقق إلا بشروط في غاية الصعوبة. الطفل عالم معقد وبسيط، والوصول إلى أعماقه يحتاج إلى أساليب متطورة على جميع الأصعدة: النص، الديكور، الإضاءة ، الألوان، الألبسة، التمثيل..).
- إذا حقق النص المسرحي شروط القبول الجيدة ليخضع إلى عالم الإخراج فهذا يعني أنه قطع شوطاً مهماً على طريق الإبداع.. ولكي تكتمل زخرفة هذا النص الإبداعي ليتفتح ببطء على خشبة المسرح برأي الأستاذ وليد عمر:( يجب أن يكون الشكل المقدم نابعاً من الخط الدرامي للنص. أما بالنسبة للشخصيات فيجب أن تكون متحركة بشكل مبالغ فيه، ومدروس بعناية، فحركات الشرير غير حركات الإنسان الطيب. وإلا لما أحب الطفل أفلام الكرتون، وتابعها باستمرار . لذا على المخرج الابتعاد قدر الإمكان عن الشخصيات النمطية : «أم، أب، أخ» لا يرغب الطفل بها. فعلينا تقديم شخصيات نمطية بطريقة جديدة محببة لعالم الطفل أو علينا تحويل الشخصيات النمطية إلى شخصيات يعرفها الطفل مسبقاً فيتفاعل معها تلقائياً. مثل: جحا، أشعب ،بهلول.
أما على صعيد ألوان النص فيجب أن تكون موظفة توظيفاً دقيقاً، ومعبرة عن حالة المشهد، والعرض، حتى الألبسة فمن الضروري أن تتناسب مع الحالة الفكرية للشخصية المسرحية. فمثلاً: يمكن للطفل أن يحب شخصية الشرير إذا كان لباسها ملوناً بألوان جميلة . وهنا يكمن الخطر بشكل عام .
إن النص المسرحي الطفلي موجود لكنه بشكل قليل وذلك لعدم تشجيع الكتاب على الإبداع، فأين المسابقات ذات المكافآت العالية جداً؟ وما المانع من ذلك؟ إذا أردنا أن نحرك الحالات الإبداعية الخامدة؟ وهل عروض الأطفال تغطي العدد الهائل من أطفال سورية؟ وإن ما تقوم به مديرية المسارح والموسيقا من مهرجان ربيع الأطفال كل سنة في جميع أنحاء القطر، وما تقوم به مديرية ثقافة الطفل من تقديم العروض، والنشاطات الطفلية المتنوعة لهو جهد مشكور، ومهم في عملية تطوير مفهوم الطفل. وهذا ما أكده الأساتذة الآخرون.
لا يسعنا إلا أن نقول: إننا في حالة انتظار ولادات مسرحية جديدة تساهم في دفع عالم المسرح السوري إلى الأمام، تحمل فناً متميزاً يرقى إلى المستوى المطلوب.