عشاق الوطن الهائمون بوجده، يرتلون له لحن الوفاء، على وقع تمتماته التي تنبض بها قلوبهم الطاهرة. فقد نذروا أرواحهم أغلى ما يملكون لأجله، ببساطة لأنه الأغلى. أيما حب هذا الذي ترخص الأرواح لأجله، تراب احتسى دماً أنبت شقائق النعمان .
أعداء خضرة حقول الفرات وحضارة تاريخها الزاهر والحياة والرقي، زرعوا مع الألغام حزناً سكن المآقي، لكن فاتهم أن سجود الأسود يعني الولادة من رحم الموت مع كل شروق رغم المعاناة والعذابات التي كابدت بواسل الجيش العربي السوري.
في تشرين هذا العام، مع عناق ذكرى حرب أعادت هيبة أمة عاشت صراعاً تاريخياً تعالى فيه عليها العقل الصهيوني، وسجن الضوء من حياة أبنائها على مدى سنوات ست بين النكسة والتحرير. توالت تمتمات الوطن في مذاهب شتى من خير وشر.
نسور قاسيون مع كرة امتلأت من أنفاس رئات أبناء الوطن التي تقطعت مرات ومرات، طردوا العتمة وأناروا أياماً صاغت انتصار العزيمة على لغة الموت والدمار. وإن كان بعض من طيور الزاغ حاولت بوميض عيونها حفر نفق جحود.
استقبال الأسد للنسور أحرق عرائش الشوك، وأنهض فيهم روح الفارس الرابض بين تمتمات وطن تنبض بها قلوبهم، التي نقلت أرواحنا من هُوٍّ تعشش فيه الأحزان إلى هامة قاسيون الذي تنكبوا اسمه فخراً وعزة فكان النصر في ساح معركة أخرى.
وطن يليق به الفرح عزَّ على الثعابين التي تلبس التيجان وذئاب العباءات، أن ترتسم الضحكات والبسمات المسروقة؛ على وجوه أبنائه وأطفاله. فأسفروا عن بشاعة جنونهم حين قصفوا المدينة التي رَسَّخَتْ الاستقرار بصمودها، قاهرة الإرهاب.
يحق لدير الزور الصامدة؛ منح أمريكا التي تدعي محاربة الإرهاب؛ بعد مجزرة القصور، أوسكار الكذب. أمريكا المستهترة بأستانا وجنيف مازالت تلعب دور المايسترو الذي تستخدمه الصهيونية العالمية ليوزع أدوار فرق(موسيقا) الإرهاب.
الإرهاب الذي يتجرعه العالم، معتنقاً هلاك الشعوب، ضمن مقومات العزل بين الحياة والموت، توزعه كائنات أقرب للوحوش منهم للبشر، في الشوارع والحارات والأزقة. حيث حفرت أنماط السلوك الشاذ أخاديدها فيها، حرب بين الحب والكراهية.
تقطعت حبائلنا، وانهارت جسورنا المجتمعية مع الإسمنتية، لكن عوامل التحدي لم يفقدها شعبنا المفعم بالإبداع، تحت ضربات الوعي المستفيق بمشروعية سلوكه الحر راسماً للتاريخ عِبَراً، مابين روافع القيم وبسملة الغياب. وداعش الآخذة بالاضمحلال.
لن تنطفئ شعلة الشمس، وسَتُرْتَقُ مواضع العطب الناتج عن العنف، إن في الأجساد أو النفوس.. رغم اللامبالاة العربية.. الراسمة لخريطة أحزان شعب فتح قلبه للجميع. عرب تكلست أحاسيسهم منذ زمن غارق في التبعية. لكنهم سيتعثرون بلعنات وطن.
بركان الشهادة فاض بالمهل؛ التي خلخلت موازين صاغوها لزمن الهزائم، إن في ساحات المعارك العسكرية أو الرياضية أو الفنية وحتى العلمية، الكل رسل سلام في الحفاظ على السيادة والحضارة. حين كتب بدمه ومواقفه قرارات الإدانة لعالم الشر.
من أحشاء الحزن ينهض مارد الفرات، وفينيق الشاطئ الذي علاه المد، ليقضيا على فيروسات تشيع في جسد الوطن. محاولة تكريس الوجود الفردي بانفصاله عن الآخر ويثبتا مع الجيش الأسطورة، مقاليد الدولة السورية العميقة. التي لا تهرب من الأجوبة.
الدولة التي تصفو وتتبلور عبر مساحة الحضور الجيوسياسي، والاستراتيجي، والعسكري. والاهتمام بالحيوية المجتمعية. الدولة التي يتماوج صوتها العالي في الفضاء الخالي للأمم المتحدة. حيث الآذان الصماء. والسيطرة الأمريكية.
حرب المتناقضات التي تنتصب الكراهية بأنيابها الحادة، تلف العالم بين النظام والفوضى، بين الجمال والقبح الذي يفترس الأحلام الجميلة، بين اليأس والأمل، تضرب العقل بعاصفة الجنون الهوجاء، تسعى لإخلاء الساح العربية من القومية.
لن نتيه في فيافي حقول ألغام الأحقاد الدفينة التي لا حدود لها. لأننا الأقدر على زمزمة البغضاء. بالانحياز لعالم العشق السرمدي تحت العنوان الفكري وقوة الطاقة البشرية. رغم هشاشة احتمالات مواقف جادة للوجود العربي المهزوم من الداخل.
في تمتمات الوطن المعشوق الأوحد.. رسائل للنهارات المبشرة لكل ماهو آت.. تمتمات تكتب في سفر العارفين أننا حبسنا المدى بين الأحداق والأجفان.. لنفتحها على زمن البناء والعطاء. على غراس سقياها نجيع الشهداء، وسواعد أبنائه العاشقين.