جلس ذاك البطل على كرسيه أمام معشوقه البحر يتكلم بروح المحب للحياة، المتمسك بحقه بها، تلك الحياة التي قاتل بشجاعة وبسالة، لتبقى كريمة له ولغيره.
خاب أمله حينما نطق بالحقيقة التي تشير إلى بعض تقصير وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.. وحينما كشفت تلك الحقيقة حجم الاستهتار من (البعض الرسمي) بجرحى الجيش العربي السوري، وتمسك ذاك (البعض) بروتين الأوراق والمراسلات تجاه أشخاص لم يكن بينهم وبين تلبية واجب الدفاع عن تراب الوطن أي مراسلات أو روتين.
البطل سامي ملحم جريح سابق في إحدى معارك الشرف للجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب والإرهابيين، تكلم عن معاناته التي كانت قاسية جداً بعد إصابته والتي جعلت منه جليس السرير في المستشفى سنة ونصف السنة، وهو يعاني من كسور وإصابات مختلفة في كل أنحاء جسده.
سنة ونصف من اليأس.. بل في قاع اليأس عاشها سامي.. لتنقلب بعد ذلك إلى قمة التفاؤل والحب للحياة حينما قام زملاء له بزيارته في المشفى وأخرجوه بالترغيب من غرفته.. ترغيب حينما حضر اسم معشوقه البحر وإمكانية القيام برحلة إليه.. هناك جلسوا جميعاً، تنشق حبه ونسائم محملة بالأمل انسته رائحة المعقمات والأدوية التي عشعشت بأنفه وبأنفاسه لمدة سنة ونصف السنة وهو في المستشفى.
حب سامي للحياة، وأثار ذاك اليوم الذي غير مجرى حياته جعله يفكر: إذا كان يوم واحد قد خرج فيه من غرفته غيرت نظرته للحياة من كاره لها إلى محب.. فلما لا يحاول بدوره كما فعل رفاقه معه وأخرجوه بنزهة أن يفعل هو مع أمثاله من جرحى الجيش العربي السوري، للخروج من اليأس والانطواء إلى الحياة وحب الآخر.. وهو ما كان.. حيث انطلقت فكرة إنشاء نادي جرحى الجيش.. حيث أحب أن يعمل في الضوء وبشكل قانوني وبظل قواعد وقوانين ثابتة، وبرعاية من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لاعطائه ترخيصاً للنادي.. وهو ما لم يحصل.. إلا أن النادي بات واقعاً، بفضل إيمان سامي بفكرته، وبنتائجها التي ستنعكس على زملاء له في الإعاقة ليتحول النادي إلى مصنع للأمل والبسمة تزرع على وجوه الكثيرين ممن أجلستهم إعاقة الحرب في المنزل، وأرعبتهم فكرة الخروج منه والتعامل مع الناس تلافياً لأي نظرة شفقة أو جمل ترمى بوجوههم شفقة، لتحرق قلوبهم وتدمر نفوسهم.
كان حديث البطل سامي ملحم على إحدى الشاشات المقاومة صادقاً مفعماً بالمحبة لمساعدة زملائه ومستميتاً لأجل إخراجهم من عزلتهم، لينطلقوا في الحياة كباقي أفراد المجتمع الأصحاء.
بساطة في الحديث.. أمل كبير لا حدود له بالمستقبل.. جلس ابن البحر على كرسي أمام النادي وتحدث بحب من منبر من الأرض على الميادين: النادي فرصة لإعادتنا إلى الحياة من جديد، لنعود كما كنا نتحرك بين الناس.
جمال الحلم لم يقتصر على حديث سامي وعفويته بل بالصور المرافقة التي وثقها خلال رحلات النادي وباقي الزملاء.. قمة في الفرح - رغم المعاناة الجسدية الكبيرة- يضجون بالحياة وهم من كانوا قبل ذلك كارهين لها.. ليتحولوا جميعاً إلى أطباء نفسيين يقوم كل واحد منهم باقناع الآخر بضرورة الانطلاق إلى الحياة من جديد والخروج من ظلام الجدران المنزليه، والأفكار السوداوية.. فهم مؤمنون بأن الحياة الجميلة التي حاربوا لأجلها جديرة بأن تعاش من جديد وبأن يتمتعوا بكل لحظة فيها.. وهو ما استطاع (النادي) أن يفعله ويعيد الأمل إلى نفس كل جريح قرر الانزواء مع الوحدة.
أبطال عادوا إلى الحياة من جديد.. بفضل حبهم لبعضهم، وبفضل نشاطات النادي، التي أكد سامي أنه بلا رعاية مالية من أحد، فقط من فاعل خير وحيد ويرفض ذكر اسمه هو من يمول رحلات النادي ونشاطاته، وبعض المساعدة من محافظة طرطوس.
ضاعت الأوراق
إذا كانت سيرة وإصرار أولئك الأبطال تدفع للتفاؤل فإن عملية ترخيص النادي، والمعوقات التي وقفت في وجههم تدفع إلى الإحباط حيث قدم مؤسس نادي جرحى الجيش -سامي ملحم- بالأوراق للحصول على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مرتين، وحين المراجعه قيل له في المرة الأولى أن الأوراق ضاعت، وفي المرة الثانية لم يأت الرد؟!.
ليس تجارة ولا معملاً..ولا رفاهية.. كل الأماني بالحصول على ترخيص رسمي الهدف من ورائه خدمة زملاء حولتهم الإعاقة إلى جثث هامدة يائسة بلا أمل.. وحصول الأعضاء على بطاقة يكتب عليها نادي جرحى الجيش العربي السوري، لتزيد من فرحهم فرحاً ولتكون دافعاً لهم للمضي قدماً في الحياة.
أبطال واجهوا الموت خلال تصديهم للإرهاب.. نهضوا من بين ركام اليأس لاحقاً.. يشد بعضهم أزر بعض.. ويزرعون الأمل في نفوس بعضهم البعض.. آمنوا بقدرهم وما هم فيه.. لكن قناعتهم أن دورهم لم ينته هنا.. فالحياة أجدر أن توقفها إعاقة جسدية، أو أن تجعلهم سجناء سرير وغرفة.. لا يمدون أيديهم تسولاً.. ولا يكسرون أنفسهم مذلة.. جل حاجتهم ترخيص رسمي لناديهم.. فهل نحن فاعلون؟؟.