وهي أول رواية يترجمها من الآداب الإسبانية، في الوقت الذي تعود قراؤه على ترجماته الشعرية.
وفرانسيسكو ديليكادو»1475/1535» كاتب إسباني من عصر النهضة، تكاد لا توجد معطيات عن سيرته إلا ما قدمه من شذرات في أعماله التي نشر أغلبها في روما والبندقية - التي حل بها سنة 1527 وفيها نشر روايته لالوثانا الأندلسية سنة 1528، وهي رواية حوارية أو بحسب الدارسين الإسبان دراما سردية، تحمل في ثناياها صورة عن روما في تلك الحقبة التاريخية، وما عرفته من أحداث اجتماعية واقتصادية وسياسية...
ينطوي كتاب لالوثانا الأندلسية على إشكال كبير يخص تجنيسه الأدبي، على الرغم من إحالته المباشرة على نص مرجعي سابق هو لا ثيليستينا لمؤلفها فرناندو دي روخاس، بيد أن الارتباط بهذا النص المرجعي يظل ضمنيا متخفيا أكثر منه ظاهرا، خاصة وأن فرانسيسكو ديليكادو استطاع أن يسيطر على الشخصية البطلة ويخلق منها نموذجا جاذبا مثيرا، متحررا في عمليتي التخييل والتحبيك السرديين، وفي الرؤية للعالم من كل القيود الإديولوجية والأخلاقية والدينية...إن إعادة إنتاج التعدد اللغوي المدهش لروما مرحلة النهضة، والكلام الشفهي العامي الغني والمتعدد الدلالة وكذلك التبديلات في بناء العبارة، والتعابير الاصطلاحية والأمثال والألفاظ المستحدثة والاقتباسات اللغوية... كل ذلك ساعد منذ البداية على تأويل هذا العمل الأدبي الروائي تأويلا واقعيا يتناسى أن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بعمل أدبي ينتمي إلى عالم التخييل.
على أن أهم سمة تميز هذا العمل الأدبي الطالع من عصر النهضة هي الإيروتيكية في سيرة لالوثانا الأندلسية، إذ يمكن اعتبار الرغبة الإيروتيكية في هذا العمل الأدبي بمثابة قوة دافعة، طبيعية وحتمية مثل كل الحاجات الأولية الأخرى، وهي من هذه الناحية حاجة فيزيولوجية تتجدد، وتعلن عن نفسها مرة تلو الأخرى، وتكاد الرواية بكاملها تدور حول هذه الإعلانات المتعددة للرغبة الجنسية المتجددة. وبناء على ما سلف فتلك الرغبة البريئة للفعل الجنسي تفصل رواية لالوثانا الأندلسية عن نمط من الأدب البورنوغرافي الذي كان قد انتشر بشكل واسع خلال عصر النهضة الإيطالية والإسبانية، والذي كان يتميز بإباحية ذات أهداف وغايات تعليمية وأخلاقية، ورغم الجانب الفضائحي الذي أثارته القراءات الأولى المعاصرة لرواية لالوثانا الأندلسية مما استوجب الدعوة إلى النظام والتريث، فالجسد في لالوثانا لا يساهم في إبراز ما هو بورنوغرافي لأنه ليس جسدا يعرض في تفاصيله وأجزائه، ولا هو مخترق في أوجه شتى ، ولا هو مشرح وموصوف بدقة بل إنه كناية عن شخص ما ينظر إليه في كماله، وفي فرادته، وفي كرامته. الجسد هنا يصير أداة للمعرفة وللمشاركة المتبادلة ما دام الأمر مثلما كانت لالوثانا نفسها قد فسرت لأحد الأطباء: «يا سيدي العلامة، اعلم أن هناك اربعة أشياء لا تساوي شيئا إذا لم يتم التشارك فيها أو إيصالها إلى الآخر بشكل دائم: اللذة، المعرفة، المال، والمرأة. أقول هذا حسب الفلسفة الطبيعية» «ص 227 في هذه الترجمة».
وعلى العموم فرواية لالوثانا الأندلسية –التي أتحفنا بها خالد الريسوني في ترجمته هاته – تتشكل باعتبارها خطابا سرديا من نظام لغوي وسيميائي متماسك من البداية حتى النهاية، كل جزء يشد بالآخر في تناغم وانسجام حول معنى إيروتيكي هو شيفرة العمل الأدبي، تارة ينجلي واضحا، وتارة أخرى يتخفى بين تلافيف اللغة، وإذن فالقاموس اللغوي الجنسي قادر على ابتلاع ما لا يمت إليه بصلة، وعلى أن يمدد سلطته على أي حقل دلالي أو مادي أو فكري، مألوف أو غريب، من الثقافة الرفيعة أو المنحطة، دون أن يمنح ذاته بأي شكل إمكانية التخفي في فضاء المنع والتحريم.
إن ترجمة خالد الريسوتي لهذه الرواية، تكشف المجهود الكبير الذي بذله ليصبح هذا النص في متناول القارئ العربي بعدما ظلت هذه الرواية من النصوص الغائبة المتخفية خلسة في كثير من الأعمال الروائية في الأدب العربي المعاصر
وبخاصة المغربي منه.»السيرة الروائية الخبز الحافي لمحمد شكري مثل»..
الكاتب: فرانسيسكو ديليكادو
الكتاب: لالوثانا الأندلسية
المترجم: خالد الريسوني
الناشر: ليتوغراف طنجة المغرب