تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سورية... الاستراتيجية وقوة الدور

دراسات
الخميس 4/9/2008
بقلم: الدكتور نسيم الخوري

مهما تباينت الآراء والتحليلات في العلاقات الأورو متوسطية بين صورة أوروبا المراوغة سياسياً لاحتواء خطر المسلمين عند حدودها الجنوبية,

وأوروبا المنخرطة مع جيرانها الجنوبيين كسوق غني يعزز موقعها مقابل أميركا المرفوضة سياسياً والمقبلة على تغيير في سياستها الخارجية, ولا سيما أن أميركا قد أقصت ألمانيا وفرنسا عن المشاركة في إعادة إعمار العراق, بسبب امتناعهما عن المشاركة في غزو العراق, يبقى السؤال مفتوحاً: ماذا يريد العرب من أوروبا , أو بالأحرى ما الذي تتوخاه أوروبا من بلدان المتوسط? وكيف نضاعف من السياسة الإلمانية في ظل الاشراقتين الفرنسية والسورية اللتين ظهرتا من خلال زيارة رؤساء سورية وقطر ولبنان إلى باريس? أليس هناك من تشابه استراتيجي بين سورية وألمانيا من حيث تنقية العلاقات العربية الأوروبية, والعربية الدولية من الاستغراق في المصالح, والاعتماد على قوة الحق?‏

قبل الإجابة عن الأسئلة , والرئيس السوري يرأس بلياقة دولية واستراتيجية واضحة القيادة الدورية لجمع العرب, كما ينتظر الرئيس الفرنسي ساركوزي يقرع باب دمشق المشرع دائمآً على العقل والعدل وكرامة العرب, لنا ملاحظات:‏

1- بعد سقوط جدار برلين في أعقاب انهيار الكتلة الشرقية, ونهاية العداء البارد بين شرق أوروبا وغربها, تبدو مناخات العداء الغربي من شرق أوروبا إلى جنوبها بعد الوحدة الأوروبية, تتحول تحت عنوان الأورو متوسطية, حيث تبنى حلف شمالي الأطلسي( مبادرة المتوسط)مقابل )صدام الحضارات( الأميركية لصموئيل هنتينغتون.‏

وهي مبادرة أظهرت دور ألمانيا كقوة مؤثرة في أوروبا , لا تنصاع لأميركا, وقادرة على خلق توازن في الاتحاد الأوروبي فيما يختص بعلاقاته بدول الشرق الأوسط, خصوصاً أن المانيا دولة لم تتخذ أساساً صفة المستعمر في الشرق الأوسط, وأعلنت موقفاً حوارياً ومتعاوناً مع دول جنوب المتوسط كلها من دون استثناء بعدما كانت أميركا عبر بعض دول أوروبا قد استثنت سورية ولبنان وليبيا.‏

وهنا يمكن الافتراض بأن الفلسفة هي ألمانيا في الاعتدال, والفعل لفرنسا في التنفيذ والتسويق لهذه المناخات المتجددة.‏

2- قد يشوب تاريخ الاتحاد الأوروبي بعض الريبة النابعة من الغموض أو الالتباس لعلاقات بعض دوله المؤثرة بالولايات المتحدة الأمريكية, وخصوصاً فرنسا في تحالفها التاريخي مع أميركا إلى تاريخها الاستعماري السجالي مع دول المغرب العربي وخصوصاً الجزائر, والتباس بعض بلدان الوطن العربي في الصراعات الأخيرة , أي بعد غزو العراق وحرب اسرائيل على لبنان في ال 2006 , ما يشي بانصياع الاتحاد الأوروبي للضغوط الأميركية التي قد تكون خفت وطأتها أو تأجلت بانتظار التفرغ الأميركي إلى الانتخابات الرئاسية, وسلمت هذه الملفات وقتياً إلى فرنسا في المرحلة الانتقالية التي لا توحي بحلول كبرى , لكن ولوج الباب السوري يعني توسيع المساحة الضرورية لأوروبا نحو الشرق بعدما كاد العالم الثالث والثاني يجتمعان في مناخ واحد وبيئة سياسية واحدة حيال الولايات المتحدة الأميركية المتراجعة في عولمتها في ظلال دخان القوقاز الذي سيمطر في صناديق الاقتراع الأمريكية الرئاسية المقبلة.‏

3- بدا من قبيل المسلم به, سواء أكانت فرنسا على تنسيق مع أميركا أم أنها تقفز إلى ما بعد الطموحات الأميركية, وتقتنص فرص الإخفاق الذريع الذي مني به الحزب الجمهوري الأميركي في التطلع إلى المتوسط العائم بالبترول, إن الإدارة أقوى من الثروات, وإن المواقف أثبت من المصالح لأن المصلحة قد تستولد فوائد سريعة ليست بالضرورة أن تكون وطنية في علاقات الدول, بينما المواقف والثوابت على خطورتها ومجازفاتها تستولد مواصفات كبرى للدول تجعلها مفصلية واستراتيجية, ولو كانت دولاً صغيرة قياساً إلى الدول الكبرى التي تعيش في مياه البحار الشرقية منذ ما قبل الحربين العالميتين وفي أثنائها وبعدها.‏

وتلك هي حال سورية التي بدت دولة استراتيجية في مواقفها وسياساتها الخارجية, تعرف كيف تتعامل مع الأزمنة الصعبة والمعضلات, يمكن القول ببساطة كلية : إن الرئيس بشار الأسد كان نجمة المتوسطية في جادة الشانزيلزيه, وهو محاط بالقنديل اللبناني في طلوع صبح العلاقات السورية -الفرنسية, كما في العلاقات اللبنانية السورية التي تأخذ مسلكها الطبيعي, فالطبيعة أقوى من البشر, وأصلب من الساسة ونفخهم المؤقت في الشاشات.‏

ولكي نفهم هذا الموقف الفرنسي المستجد والمتنامي, يفترض بنا التطلع إلى الدمغة ألمانية التي تطبع السياسة الفرنسية وسياسة الاتحاد الأوروبي بشكل عام, كما تشغل النظر الأميركي المشغول بانتخاباته وإخفاقاته بشكل خاص.‏

لهذا يصح السؤال:‏

لماذا المانيا مثلاً تنسل بين اسرائيل ولبنان المقاوم?‏

لأن الثلاثة, ومعهم وقبلهم سورية بالطبع الدولة العربية الوحيدة التي تفهم في العمق وبالتجربة معاني استراتيجية القوة والنصر كما معاني الضعف والهزيمة على السواء, ولأنهم جميعاً يعملون بجهود مميزة, في زمن السلم أكثر بكثير من زمن الحرب, والمفارقة أن دولة كبرى مثل ألمانيا تعمل بين دولة غير محددة بعد هي اسرائيل وبين حزب تقلقه بعض دولته وهو حزب الله, ويعصى عليه أن يكون دولة.‏

تلك معادلة جديرة بالتوقف في زمن الأورو متوسطية حيث يتحول )خط العداء( الأوروبي من الشرق المستيقظ روسياً وإلى جانبه سورية الاستراتيجية, وهنا ملاحظات أيضاً:‏

1- لو لم يكن حزب الله قوياً يفهم بالقوة والعزة والكرامة لما كان انتصر أو صمد عالي الصوت والنبرة والحضور, مستعيداً أسرانا وأسرى العرب ورفاتهم باحترام كبير.‏

والمعروف مثلاً أن ملفي تبادل الأسرى بين حزب الله والعدو الصهيوني قد خلصا إلى نهايتهما الرائعة في ال 2004 وال 2008, بما منح المقاومة في لبنان ومنه, عزه أن نرى الكثير من العقالات والقبعات العربية والعالمية العالية ترتفع عن الرؤوس المنحنية في عواصم العرب والعالم وفصائل فلسطين لهذا النجاح الباهر المصحوب بسرية مطلقة تضاعف القوة والاحترام والانضباط والثقة كما الخوف والمفاجآت لدى الأطراف الثلاثة.‏

فالقوة لا تكون مجدية اله يفهم بالنصر كما بالهزيمة في العمق, كونه انبثق من تراكمات لا تحصى من الهزائم العربية في الصراع مع اسرائيل, وتجدر مقاوموه أساساً ببنى الأحزاب في لبنان ومقاتليها ومناضليها الذين تشابهوا بشكل كبير في الإنتماء والنشأة ووجهة النضال قبل نشوة النصر.‏

2- إسرائيل بانتصاراتها المتكررة على العرب بدت ديكاً قوياً مزهواً, ومحضوناً من الغرب , قائمتاه في الأرض وجناحاه في السماء يمطران قذائف وقتلاً وتشريداً. وكانت لا تفهم إلا باعتماد القوة بمعانيها وأساليبها المتوحشة المتجاوزة لكلّ عرف وقانون دولي, بهدف الصمود والاستمرار, وهي على الأرجح, باتت تفهم بالهزيمة, اليوم, للمرة الأولى منذ إنشائها, إذ جاء صمود حزب الله ونصره في ال 2000 وال 2006 باعترافها واعتراف دول العالم محطة مفصلية في تاريخ هذا الكيان الذي يبدو أنه يعاني من التصدعات السياسية والنفسية, بحيث ذاق مرارة الهزيمة المعاصرة, بعدما كاد يطبق على الكرة ويزعزعها بمكره ودهاء أبنائه المشتتين في الأرض.‏

3- أما ألمانيا خلف أوروبا وفرنسا تنحديداً, فهي مشابهة لسورية خلف العرب والعروبة, ومثلها هي الدولة الحاضرة للنجاح في المهمات عند إغلاق الأبواب, والتكلم همساً عندما يجهر الآخرون بإخفاقها من فوق السطوح كما حدث مع بعض ساسة لبنان, وما حضارة النوافذ والأبواب الموصدة إلا مؤشراً ألمانياً لدولة أوروبية عريقة في الفكر والفلسفة سبق أن أغلقت الأبواب على نفسها بحثاً عن أسباب الهزيمة المروعة التي ألحقتها بها أميركا في الحرب العالمية الثانية.‏

هناك مقولة )التماهي بالمعتدي( في علاقات الأفراد والشعوب, ومختصرها أن الأضعف يتماهى بشكل غير واع بالأقوى, فيعمد إلى تقليده في اللباس والسلوك والتفكير والأسلوب والشخصية وخصوصاً تلك الملامح التي تبرز عناصر قوته, ووفقاً لهذه المقولة يمكننا أن نتقفى آثار خطا القوة بين ألمانيا ولبنان... فمن يتابع سلوك إسرائيل العسكري, وعشقها لمبدأ القوة, يبسط أمامه تاريخاً من النازية المزدوجة التي تماهى ويتماهى بها اليهود, ونقلوها في مؤسسات اتخذت تجلياتها في الكيبوتزات حيث التطلع إلى مجتمعات يهودية يسلخ فيها المولود عن أهله, فيصبح إبناً عسكرياً لدولة إسرائيل تقوم مقام والده ووالدته وتؤمن مستقبله وتستعيد رفاته ولو بعد قرون في حال موته.‏

لقد انتظر الفلسطينيون والعرب واللبنانيون بشكل خاص تاريخاً طويلاً من الاضطهاد الصهيوني, قبل أن يمتشقوا السلاح, ويبدأ دخول العرب ما يعرف بصراع الإرادات, والتماهيات بالقوة الطريق الأقصر إلى الحق, وفقاً لهذه التماهيات المتنقلة طرداً وعكساً بين الأقوياء والضعفاء يمكن فهم أمرين: الأول هو تضافر الإهتمام الغربي بحماية العدو الإسرائيلي, ومحاولة محاصرة المقاومة, والثاني, تسهيل الملفات الشائكة كي تأخذ طرقها إلى الحل, لأن قوّة عربية تظهر جليّة في الأفق, وخصوصاً في لبنان وفلسطين والعراق.‏

لماذا ألمانيا?‏

لأنها تبنّت نظرية الحوار وخلقت جسور التفاهم بينها وبين دول الإتحاد الأوروبي كما بينها جميعاً ومع دول كثيرة عبر مجموعات كبرى من المؤتمرات والتوصيات التي أفصحت عن الاستراتيجية الحوارية الألمانية منذ العام 2000 لتوسيع الاتحاد الأوروبي, فكانت مؤتمرات مع كوسوفو وجنوب أوروبا وبولندا وإسرائيل ثم مع جنوب أوروبا وفرنسا وإسرائيل. ومنذ ال2002 تركّز ألمانيا جهودها في المتوسط فكان مؤتمر شباط/فبراير في القاهرة حول العلاقات العربية الألمانية ثم مؤتمر تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه للحوار بين أوروبا والعالم الإسلامي, ثم مؤتمراتها الحوارية مع تركيا ودول الشرق الأوسط , الصين في ال2003, وكان همها مستمراً في ترجيح السياسة الحوارية على القوة العسكرية.‏

تلك هي الملامح الاستراتيجية لفهم مستقبل لبنان عبر الاستراتيجية السورية, وكذلك فهم المعادلة في تشابه سورية وألمانيا وفرنسا وإسرائيل بالإضافة إلى لبنان المقاوم, على الرغم من الاختلافات والعداوات القائمة في ما بينها إنطلاقاً من السياسة الإسرائيلية.‏

ليس أفضل من هذا التوصيف من أجل محاولة فهم مستقبل العلاقات الاستراتيجية سواء بين لبنان وسورية موضوعة فوق الطاولة, أو بين لبنان وسورية وأوروبا والعالم متوسطياً كان أم غير متوسطي, ومن الباب الفرنسي أو الباب الألماني.‏

* كاتب سياسي drnassim@hotmail.com‏

nassim.khoury@gmail.com‏

">لبناني‏

drnassim@hotmail.com‏

nassim.khoury@gmail.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية