ورغم مضي فترة غير قصيرة من الزمن على مبادرة العرب لإجراء إصلاحات داخلية وعلى مستوى الجامعة ومارافق ذلك من طروحات وخطط, لم يتحقق الكثير على هذا الصعيد بل فتح العرب المجال أمام الآخرين لاتهامهم بالعجز عن اللحاق بركب التطور العالمي وتاليا سوق المبررات للتدخل في الشؤون العربية الداخلية التي يتفق الكثير من الحكومات العربية على التحذير من أخطارها , ولكن دون تقديم البدائل التي تحول دون هذا التدخل .
هذا الواقع وضع الدول العربية أمام مأزق اضافي تتفرع عنه اكثر من مشكلة داخلية وخارجية و لاسيما ان المشروع الأميركي يتغلغل بسرعة في المنطقة مستغلاً الأوضاع الهشة التي تتسم بها الحالة العربية وتقاعس العديد من النظم العربية والجمعيات الأهلية عن القيام بواجباتها الأساسية .
فالعرب يجيدون بامتياز تأجيل حل الملفات وترحيلها الى ظروف يحلمون أن تكون أنسب وأفضل من الوضع الحالي رغم المساوىء والتداعيات السلبية لتأخير البت بقضايا مصيرية من المفترض ان تكون وجدت طريقها الى الحل منذ سنوات عديدة ..
لقد بدا العرب خلال السنوات الأربع الماضية وكأنهم عالة على المجتمع الدولي من كثرة الاتهامات والضغوطات الموجهة لهم , وشكل إصرار الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصا على التعامل معهم بلغة التهديد والوعيد والترهيب حالة لايتوانى الكثير من الغربيين عن اتباعها حتى في تعاملهم الثقافي والاجتماعي مع المجتمعات العربية .
طبعا هذا الواقع لم يأت من فراغ أو جراء الأطماع الغربية في منطقتنا فقط بل أيضا من ضعف وضياع يلف معظم أوضاع الدول العربية وغياب أبسط الاستراتيجيات الكفيلة بانتاج ظروف جديدة تتيح لانطلاقة حقيقة على اسس راسخة وواضحة المعالم .
فاذا اجرينا مراجعة صادقة لبعض الطروحات العربية بشأن الاصلاح وغيره من القضايا الأخرى نجد أن المحصلة تكاد تكون صفراً اذا لم تشهد تراجعا,وبعض الخطوات التي اتخذت هنا وهناك يشوبها الكثير من النواقص الكفيلة باجهاضها عند مواجهتها لابسط العقبات وما أكثرها على الساحة العربية,وبالمقابل هنالك بعض العرب ممن سحرتهم الطروحات والمشاريع الأحنبية ,وأرهبتهم الضغوط والتهديدات , فاندفعوا الى اهمال خطواتهم النابعة من إرادتهم واستبدالها باملاءات من الخارج نزولا عند كسب ود هذا الخارج على حساب مصالح شعوبهم .
فحتى الان لايزال التراجع العربي على اكثر من صعيد سيد الموقف, وجراء ذلك أصبحت الدول العربية عرضة لاخطار جيوسياسية لم تعرفها منذ سنوات وكذلك كرة للتقاذف الدولي والصراع على مصالحها ومواردها وأيضا مناخاً للتخلف والأزمات ما جعل الرد على هذه الاتهامات يتم بشكل فردي على نحو بدت فيه الحكومات العربية وكأنها غير قادرة على القيام بواجباتها وانها عبء على شعوبها التي تسعى للاصلاح والديمقراطية .
هذه الصورة لاتعبر عن حقيقة الواقع الذي نعيشه بكل تفاصيله وانما تلقي الضوء على جوانبه, فالامر أسوأ من ذلك اذا ما تم تسليط الضوء على الواقع التعليمي والصحي والاجتماعي والقانوني للدول العربية التي ماتكاد تنهض من ازمة حتى تظهر لها أزمات اخرى تتجاوزها في الخطورة وعلى رأسها ( مشروع الشرق الأوسط الكبير) بواجهته الديمقراطية وخلفيته التدميرية والتقسيمية والاسرائيلية .
وما يمنح هذا المشروع الاستعماري الجديد مزيدا من الخطورة على العرب ذلك التعاطي الذي تنتهجه بعض النظم العربية والذي يغلب عليه الطابع النظري والتحذيري والتخويفي ويفتقد بالمقابل الى أبسط مقومات المواجهة الحقيقية ,فليس سراً ان الخطط العربية في هذا الشأن لاتزال وهمية وحبرا على ورق ,وكل مايقال عن الإصلاح في الجامعة لايعدو كونه مادة للحوار والخلاف بين الحكام العرب الذين لايتأخرون عن ترحيل ملفاتهم الحساسة الى سنوات قادمة عسى يقوم الزمن بالعمل الذي من المفترض ان يقوموا به على وجه السرعة .
التداعيات الخطيرة للمشروع الأميركي قلبت الواقع رأسا على عقب ولم يعد بامكان العرب وحكامهم تحديداً مواجهتها بتقديم المزيد من التنازلات والطاعات للطغاة الأميركيين, فهؤلاء يريدون عالماً عربيا مختلفا عما نراه اليوم وهم مقتنعون بأن الطبقة السياسية الحاكمة غير قادرة على تلبية ارادتهم هذه ولذلك لجؤوا الى طبقة جديدة أعمت أبصارها أطماعها بالسلطة ونزولاً عند ذلك فهي مستعدة لتقديم شعوبها قرابين على مذبح الشرق الأوسط الكبير وغيره من المشاريع الأخرى التي تتفق في المضمون وتختلف من حيث الشكل والرتوش.
هذا المشهد لم يعد جزءا من حياتنا فحسب بل هو كابوس نعيشه يومياً وللأسف الأمل بتجاوزه دون خسائر كبيرة ,لايلوح في الأفق حتى الآن .