تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إعلان الجزائر... والذكرى الستون لتأسيس جامعة الدول العربية

دراسا ت
الأربعاء 30/3/2005م
مازن يوسف صباغ

صادف موعد انعقاد القمة العربية في الجزائر يومي 22 - 23 آذار الذكرى الستين لإنشاء جامعة الدول العربية , وقد تعرضت هذه القمة للعديد من الانتقادات من قبل الاعلام والشارع العربي ,حيث ركزت وسائل الإعلام على انخفاض سقف التوقعات الشعبية من مثل هذه القمم , وتصاعدت بعض الأصوات الداعية لإلغاء مؤسسة القمة العربية , وتحويل التمويل والجهد المبذول على عقدها الى مشاريع التنمية المحلية .

هذه الانتقادات والتي حملت بعض النقاط التي يمكن النظرفيها على أنها صائبة - تعامت عن حقيقة ان القمة العربية وإن لم تخرج بأي قرار أو بيان تبقى رمزا مطلوباً للتأكيد على أن العرب أمة واحدة وإن توزعت في أقطار متعددة, تواجه مخاطر وتحديات مشتركة , ويشار إليها في أبيات السياسة العالمية على أنها كذلك , فالآخر لايصف الشعوب العربية بانتماءاتها القطرية , بل يخاطبهم ككل واحد , ويرسم عنهم صورة واحدة , ويوجه لهم اتهامات واحدة , دون النظر الى الخصوصية التي يتمتع بها سكان كل قطر من الأقطار.‏

فالآخر يسأل: أين الدور العربي في مسيرة الحضارة الانسانية لا أين دور السوريين والمصريين والعراقيين والسعوديين مثلاً , ويتهمهم بأنهم أصبحوا عالة على هذه الحضارة .‏

كما أن المشاريع الجديدة التي تهدف الى استبدال العمل العربي المشترك بمشروع شرق أوسطي ,والتي تهدف أولا الى دمج اسرائيل بالمنطقة , لايمكن اعتبارها دليلاً على عدم جدوى هذا العمل كما يقول البعض , بل هي دليل على خطر مثل هذا التوجه على الأهداف الاستراتيجية للدول التي تدعو الى هذه المشاريع ,والتي ترى ان أي منطقة عربية موحدة هي خطر على مصالحها الاستراتيجية وهيمنتها على تدفق الطاقة في العالم.‏

وقد سارعت مؤسسة القمة الى الرد على هذه الانتقادت في البند الاول من إعلان الجزائر حيث أكد المجتمعون على :‏

( تمسكنا بالتضامن العربي ممارسة ومنهجاً بما يكفل صون الأمن القومي العربي واحترام سلامة كل دولة عربية وسيادتها وحقها في الدفاع عن مواردها ومقدراتها وحقوقها ومنع التدخل في شؤونها الداخلية او استخدام القوة أو التلويح بها )‏

يمكننا تقسيم بنود إعلان الجزائر الى ثلاثة أقسام رئيسية :‏

القسم الأول : وهو ما يخص الهم العربي العام والموقف العربي الرسمي من القضايا المطروحة بالاضافة الى العمل العربي المشترك وأداته الرئيسية الجامعة العربية حيث اكد البيان على ( مواصلة الجهود الرامية الى تطوير وتحديث جامعة الدول العربية وتفعيل آلياتها لمسايرة التطورات العالمية المتسارعة ومواصلة بناء مجتمع عربي متكامل في موارده وقدراته وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة ).‏

وسرد الإعلان مجموعة الانجازات التي تحققت على هذا الصعيد منذ القمة الماضية وهي إنشاء برلمان عربي انتقالي , إنشاء هيئة متابعة لتنفيذ قرارات مجلس الجامعة , تعديل قواعد اتخاذ القرارات ونظام التصويت .‏

أما المواقف الرسمية لمجلس الجامعة من القضايا المطروحة اليوم , في ما يخص الصراع العربي الاسرائيلي وعملية السلام في الشرق الأوسط ,وهو الموضوع الذي حظي بالنصيب الأكبر من اللغط , إثر تقديم الأردن ورقة عمل ثم أعاد تسميتها وسحبها في نهاية الأمر , فقد اعاد إعلان الجزائر التأكيد على المبادرة العربية التي أطلقت في مؤتمر بيروت عام 2002 والتمسك بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي ,وأعاد ترديد الثوابت التي يراها أساسا للحل وهي قرارات الشرعية الدولية ومرجعية مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام وخارطة الطريق , ورؤيته للحل التي تتمثل بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية حتى خطوط الرابع من حزيران وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.‏

لكن الجديد في هذا الإعلان هو التأكيد على لبنانية مزارع شبعا المحتلة وإن جاء ذلك ضمنيا حيث تم ذكرها بشكل منفصل عن الجولان وهو مايعني تبني القمة العربية لوجهة نظر سورية ولبنان حول هذه النقطة.‏

كما أن القسم المتعلق بمسألة اللاجئين الفلسطينيين جرى تحميله بنوع من الغموض البناء, حيث تم الإشارة الى ( حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلا عادلا يتفق عليه ) بدلا من المطالبة بعودتهم , لكن مع التأكيد على أن هذا الحل يجب ان يكون ( طبقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948 ورفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى ومبادىء القانون الدولي والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة )‏

وهو مايعني تزويد القيادة الفلسطينية الجديدة بهامش من المرونة خلال التفاوض للوصول الى حل لهذه المشكلة العويصة .‏

وأخيراً الإشارة الى ( الأجواء المستجدة التي أنعشت الآمال في استئناف العملية السلمية ومايمثله من فرصة لإعادة قوة الدفع لها ) وهو مايمكن اعتباره كترضية للأردن مقابل سحب ورقته التى تقدم بها .‏

والموضوع الثاني الذي يواجهه العرب هو الإصلاح السياسي وهو ربما الموضوع الوحيد الذي يجمع عليه الضغط الخارجي والمطلب الشعبي وقد أكد الإعلان على مواصلة مسيرة التطوير والتحديث في الوطن العربي تعزيزا للممارسة الديمقراطية وتوسيعا للمشاركة السياسية وترسيخا لقيم المواطنة والثقافة الديمقراطية وترقية حقوق الانسان وفسح المجال للمجتمع المدني وتمكين المرأة من التبؤ بمكان بارز في كافة مجالات الحياة العامة )‏

ولعل المفردتين الرئيسيتين في هذا الموضوع هما ( المجتمع المدني ) و( المرأة ).‏

فالقادة العرب الذين اجتمعوا في الجزائر - وحتى الذين غابوا عنها - أصبحوا يدركون الآن ان الشعب العربي كغيره من شعوب العالم يعيش تبعات ثورة الاتصالات وما خلفته من صدمة حضارية وثقافية وسياسية , بل لعل الشعب العربي هو أحد أكثر شعوب الأرض تأثرا بهذه الثورة كونه أحدأكثر شعوب الأرض شبابا , ولم تعد مؤسسات الدولة والمؤسسات التقليدية كافية لتفريغ الشحنة الناتجة عن هذه الصدمة , فكان لابد من وجود قنوات جديدة تتمثل بما يسمى ( المجتمع المدني ) أو شبكة المنظومات والهيئات الأهلية غير المنخرطة في سلك الحكومة , ومن هنا جاء التركيز في الإعلان على تمكين المجتمع المدني من المشاركة في نشاطات الجامعة العربية ومؤسساتها ) ليصبح هذا الجسم جزءا مكملاً للجامعة.‏

أما المرأة فقد كان البند الذي خصصه إعلان الجزائر والمتضمن ( إطلاق مبادرات واستراتيجيات وخطط عمل تهدف الى تحقيق المساواة وتعزيز الوعي بالمبادىء والقيم العربية والإسلامية التي تكفل حقوق المرأة ودورها في المجتمع وسن التشريعات اللازمة لحمايتها ) .‏

هو صدى لمجموعة الحوارات التي دارت في العديد من البلدان العربية وعلى الأخص السعودية والكويت - في الفترة القريبة الماضية حول هذا الموضوع .‏

إن هذه الفقرات المتعلقة بموضوع الإصلاح والتي عدها البعض تنفيساً أو تجاوباً مع الضغط الخارجي الذي يمارس على الحكومات العربية اليوم , لايعني بالضرورة ذلك , فمع ان هذه الطروحات تتجاوب مع الضغوط الخارجية لكنها تتجاوب في الوقت نفسه - كما أسلفنا مع المطالب ال¯شعبية العربية .‏

كما تندرج المواضيع المتعلقة بمنطقة التجارة العربية الحرة والسوق العربية المشتركة والإرهاب وإصلاح الأمم المتحدة والتعاون مع الكتل الدولية في أوروبا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وإنشاء قمر صناعي عربي واستراتيجية الأسرة العربية التي تطرق اليها الإعلان ضمن هذا القسم .‏

القسم الثاني : وهو المتعلق بمشاكل فردية للدول العربية ودعم باقي الدول العربية الشقيقة لها في هذه المشاكل حيث اكد الإعلان عن دعم الشعب الفلسطيني في صموده- وهو أكثر الشعوب العربية تعرضا للمعاناة نتيجة ظروف الاحتلال الاسرائيلي وذلك ماديا عبر صندوقي الأقصى وانتفاضة القدس ودعوة باقي الدول الاسلامية للمساهمة في هذا الدعم , كما أكد دعم العرب للحوار الداخلي الوطني الفلسطيني .‏

كما أكد الإعلان رفض العرب لقانون ( محاسبة سورية ) الذي أقرته الإدارة الأمريكية وتضامنه مع سورية , حيث ان هذا القانون هو ( تجاوز لمبادىء القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة )‏

كما أكد الإعلان على دعم العراق والتأكيد على وحدة أراضيه وضرورة المسارعة بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي فيه ,ودعوة الحكومة الإيرانية للتجاوب لحل مسألة الجزر الإماراتية الثلاث بما يضمن استعادة الإمارات لها , وكذلك دعم السودان في جهوده لإحلال السلام في الجنوب ومعالجة الوضع في دارفور بعيدا عن الضغوط الأجنبية وكذلك جهود الصومال لاسترجاع وحدته والمحافظة على وحدة دولة جزر القمر .‏

إن إغفال الإعلان عن ذكر النقاش الدائر حول الوجود السوري في لبنان كان بمثابة تبني لوجهة النظر السورية اللبنانية التي ترى ان الجهود والانسحاب السوري من لبنان هو شأن مشترك بين البلدين , وأنه لايوجد خلاف حول هذه المسألة يستوجب الإشارة اليه , وكذلك الأمر بالنسبة لإغفال الإشارة الى الأزمة السياسية الحالية في لبنان , حيث ان موقف الجامعة الدائم كان عدم تدخل الأشقاء في الشؤون الداخلية لبعضهم , ولذلك حري ب¯ ( الأصدقاء ) أن يحذوا حذوهم في هذا الأمر , وهو ماينطبق ايضا على مسألة الصحراء الغربية .‏

القسم الثالث : وهو القسم البروتوكولي المتعلق بشكر الدولة المضيفة على جهودها لتنظيم المؤتمر , وشكر رئيس الدولة المنظمة - رئيس جلسات المؤتمر - على حسن إدارته لجلسات المؤتمر.‏

وبعد أن استعرضنا بنود إعلان الجزائر , نجد أنه لا بد في الختام من التطرق الى الجامعة العربية نفسها في عيدها الستين.‏

ولدت الجامعة العربية في ظرف بالغ الصعوبة , فلقد كان ثلث عدد أعضائها الحاليين فقط قد حصلوا على استقلالهم ,ونصف هؤلاء الأعضاء المؤسسين كانوا مرتبطين بمعاهدات مع دول كبرى تعيق من حرية حركتهم , ولكن مع ذلك ظهرت الجامعة كمؤسسة تجمع العرب وتؤكد على وجود هوية جامعة لهم بشكل عملي .‏

ورغم تعرض العرب - والجامعة معهم - للعديد من التغيرات بشقيها السلبي والإيجابي فلقد بقيت الجامعة مستمرة في الوجود وممارسة نشاطها طوال هذا الفترة التي زادت عن نصف قرن , وهو إنجاز - وإن يكن لا يمثل سوى الحد الأدنى مما هو مأمول -يحسب لها .‏

لقد عانت الجامعة العربية منذ تأسيسها من مشكلتين مستعصيتين , الأولى سوء الفهم الذي رافق مسيرتها , فالجامعة العربية هي رمز للوحدة العربية , لكنها لاتشكل بأي حال - ضمن شكلها الحالي - الأداة التي تساهم في تحقيق هذه الوحدة , فمن أجل القيام بذلك لا بد من تغيير جذري يشابه التغيير الذي قامت به أوروبا , حيث انتقلت من مفهوم السوق الأوروبية المشتركة كأداة لتعزيز التعاون والعمل الأوروبي المشترك الى الاتحاد الأوروبي الذي يعمل على تحقيق الوحدة الأوروبية , فالجامعة العربية بشكلها الحالي هي أقرب الى السوق الأوروبية المشتركة منها الى الاتحاد الأوروبي.‏

أما المشكلة الثانية فقد كانت مشكلة التمويل , فالدول العربية المؤسسة للجامعة كانت دولا غير غنية أو في طور النمو , ولم يكن أمام الجامعة سوى تحديين رئيسيين ,هما مشكلة فلسطين , ومساعدة باقي الدول العربية على الحصول على استقلالها.‏

ولكن مع مرور الأيام تزايدت التحديات وبالتالي المهام المطروحة أمام الجامعة , وازداد عدد أعضائها وغناهم ,ولكن هذا الأمر لم يؤد بشكل تلقائي الى زيادة المخصصات المالية للجامعة وذلك لأسباب عدة , ما جعل الجامعة تبلغ مرحلة حرجة حاليا إزاء زيادة الأعباء ونقص التمويل , وهذا الأمر الذي أكد عليه الأمين العام للجامعة بشكل كبير طوال سنوات ولايته , التي أمضاها وهو يعمل دون كلل لإصلاح الجامعة وإعادة الثقة لها بما يسمح بعودة تدفق المخصصات المالية لها عبر الالتزام بمساهمات الدول وفق حصصها لتخرج من هذه الأزمة.‏

قد يقول الكثير ان القمم أصبحت مضيعة للوقت وأنهم لايتوقعون قرارات هامة من هذه القمم , ولكنهم ينسون أن مجرد اجتماع القادة العرب في الموعد نفسه من كل عام بشكل تلقائي هو خطوة الى الأمام على طريق نهوض هذه الأمة من كبوتها , وأننا لا يمكن ان ننتظر من القمة في كل عام مقررات جديدة , بل ان نرى هذه المقررات وهي تتنفذ.‏

تحية للجامعة العربية ( بيت العرب ) في عيدها الستين .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية