فماذا عن الرقة? هل تملك إمكانات ومقومات النجاح في السياحة, أم أنها مجرد آمال وطموح يعكس الرغبات والأماني وليس لها على الأرض ما يبررها..? وهل هي معدة بالفعل- لو كان السياح, مجموعات وأفرادا يقفون على بوابات الدخول إلى الرقة- لاستقبالهم? هل تملك فنادق ومطاعم لهم? وهل يجدون أدلاء سياحيين إلى مواقعها? وهل الطرق إلى تلك المواقع السياحية جاهزة..? وهل وضع مدينة الرقة بخدماتها المنقوصة يعطي صورة جيدة ويدفع السائح للعودة, أو توصية أصحابه ليسيحوا في الرقة? أيظل لديهم انطباع أنها مكان لا ينسى..?!
لكي نحيط بذلك كله ونجيب عنه لابد أن نذكر أولا بأننا تحدثنا عن السياحة في الرقة , في صحيفة الثورة مرارا وتكرارا, ورصدنا المواقع الطبيعية والأثرية فيها, ونحن نكرر القول هنا إن السياحة في الرقة هي إمكانية مازالت كامنة, وهي أمل لم يتحقق, وطموح مازال بعيدا ولا يمكن أن يتحقق بالكلام, فنحن تحدثنا دائما عن هذا الطموح وليس عن واقع فعلي متحقق للسياحة , تحدثنا عن المقومات والإمكانيات التي تزخر بها المحافظة والتي يمكن إن وجدت الإرادة الماضية والعزيمة الصلبة أن تتحول إلى صناعة سياحية, أما المقومات فهي:
1- الكنوز الأثرية الكثيرة التي تتوزع في كافة أرجاء المحافظة إذ تكثر فيها التلال الأثرية والمواقع الأثرية, والأوابد الأثرية, يكفي القول أن مدينة الرقة, وحدها, منسوجة من آثار عباسية فريدة, ليس لها مثيل في سورية كلها: بسورها الأثري, وبواباتها, وقصورها, فضلا عن انتشار عشرات المواقع الأثرية على طول نهر الفرات ونهر البليخ, وهي تتتابع على ضفاف النهرين بغزارة لافتة للانتباه حتى يمكن القول دون مبالغة, أن كل تل في المحافظة هو تل أثري!
إضافة لانتشار المواقع الأثرية على ضفاف بحيرة الأسد, وشمال المحافظة, وهضبة البادية , وقد اكتشفنا أكثر هذه المواقع من خلال اللجنة السياحية التي شكلها محافظ الرقة السابق منذ سنتين, أو من خلال المشروع الذي قام به مكتب جريدة الثورة بالتعاون مع الباحث الأثري محمد العزو, وبدعم من السيد محافظ الرقة السابق والذي يهدف لتسجيل المواقع الأثرية غير المسجلة, فرفعنا عدد التلال والمواقع الأثرية من 74 موقعا وتلا إلى نحو 150 موقعا وتلا أثريا, هذا عدا الأوابد الأثرية المعروفة والمشهورة في الرقة.. وأغلب تلك المواقع لم تكن معروفة إلا من قبل سكان القرى القريبة منها, ومن هذه المواقع: كهوف بغديك ومعصرتها الكبيرة, ومدافنها, ومدافن بحيرة الأسد, وكهوف ضفاف الفرات, وقلاع هضبة البادية, والأخيرة تتألف من ثلاثة حصون أو قلاع تشرف على سقي الفرات, بعد أن كان يعتقد أنه ليس في المحافظة إلا قلعة جعبر!
2- بحيرة الأسد, وضفافها الواسعة المتعرجة والطويلة, والجميلة والمتنوعة خاصة بعد أن أثمرت مشاريع التشجير وشملت قسما لابأس به من ضفافها وخاصة محمية الثورة البيئية وقلعة جعبر والكرين الأول والثاني والثالث..
3- نهر الفرات وجزره التي تسمى الحوايج وهي متعددة وأهمها 19 حويجة هي الغابات الطبيعية الوحيدة في محافظة الرقة, وقد تحولت إلى محميات بيئية..
4- البادية واتساع براريها, ووجود العديد من المواقع الأثرية الهامة فيها مثل: الرصافة, القلاع الفراتية, القبو الكبير, والقبو الصغير, وصلاحية أجزاء منها لتتحول إلى مواقع مشجرة وإنشاء محميات بيئية فيها, بما تزخر به من خزانات مائية قديمة وحفر وكهوف ووديان يمكن لبعضها أن تكون حديقة وطنية للنبات والأشجار والشجيرات والحيوانات البرية والطيور.
5- المزارات: وهي متعددة وكثيرة, وأهمها, مزارات مقبرة الشهداء في مدينة الرقة, التي أصبحت صرحا هائلا.
هذه هي المقومات الطبيعية والملامح التاريخية الحضارية والاوابد الأثرية التي يمكن أن تنعش أي سياحة ومنها سياحة الاصطياف, بل والسياحة الثقافية والدينية والسياحة البيئية, لكن السياحة تحتاج ليس لهذه الإمكانات العارية من الفعل الإنساني, إنها تحتاج إلى الرعاية والاهتمام والصقل والتنقيب والترميم, والإعداد فحوائج الفرات لم تستكمل حتى الآن عملية تحويلها إلى محميات بيئية, ولم نقم فيها أو بالقرب منها ولأجلها أي مهرجان سياحي يبرز إمكاناتها الهائلة واللا محدودة في الاستثمار بأشكاله المتنوعة.
أما محمية الثورة البيئية فإنها تحتاج إلى أن تتحول إلى مشروع مستقل وأن يضم إليها مواقع الكرين كلها. كما أننا حتى الآن لم نتمكن من إقرار إنشاء محمية بيئية في بادية المحافظة بالرغم من طرح محمية رحوم الرعوية لذلك ولم نصل إلى نتيجة.
أما الآثار وخاصة على ضفاف البحيرة ونهر الفرات باستثناء( قلعة جعبر وآثار مدينة الرقة ) مازالت بحاجة إلى عمل كبير , فالقلاع الفراتية: إن لم نرممها وخاصة ( صفين ونخيلة) فإنها ستمحى وتزول كما زال حصن ( الجزلة) وتحول إلى ركام من التراب, وهناك عشرات المدافن حول ضفاف البحيرة, لم تحظ بحارس, أو بسدها ومنع العبث المستمر فيها.
وخان دامان الذي كان منشأة سياحية- خدمية, في العصور العباسية وما بعد, هو الآن مجرد أساسات وبقايا زوايا أبراج, وهو بحاجة إلى دراسة وترميم, ويمكن أن يتحول بذاته إلى منشأة سياحية فريدة, خاصة وهو قريب من كهوف الفرات الموغلة في القدم!
ومنشأة باب بغداد التي تبين لنا بالمصادفة, ونحن نحاول تخليصها من ارتفاع منسوب المياه الجوفية أنها منشأة واسعة, ولها امتدادات مازالت قائمة تحت الأرض, لم نسارع إلى محاولة كشفها ودراستها وترميمها, بل أعدنا ردمها مرجئين ذلك إلى فرصة أخرى.?1
ولماذا لا نعيد بناء باب حران في سور الرقة ونبعثه من جديد, وهو تحفة معمارية كما تبين الدراسة العلمية للباحثين الذين اكتشفوا اساساته..?
كما تحتاج الكثير من المواقع الأثرية إلى شارات تدل عليها, وطرق معبدة تقود إليها.. كل شيء ما زال بكرا, ولابد أن تجلوه يد العمل وتعيد بناءه ليكون صالحا للفرجة, أو صالحا للاستثمار , ولكي يجذب الناس إليه من داخل القطر ومن خارجه أيضا..!
بل إننا لا نملك متحفا تعرض فيه الكنوز الأثرية التي حصلنا عليها من تنقيباتنا في المحافظة, وفيها آثار لأربعة عواصم من عواصم فجر الحضارة السورية, وهي تقبع الآن في المستودعات والأقبية, ولا نملك متحفا للتقاليد الشعبية, وسوقا للمهن اليدوية, وأين هي مصنوعاتنا التي سنسوقها للسياح? وأين فنادقنا? وأين مطاعمنا ? وأين استراحاتنا? وأين أدلاؤنا? وأين مكاتبنا السياحية? وأين ثقافتنا السياحية ونحن رجل في عصر الزراعة وأخرى في عصر الرعي..? والرقة القديمة التي تحتضنها مدينة الرافقة الأثرية, وهي التي تجاور معظم آثار الرقة القديمة, خالية أو تكاد من الشوارع المعبدة والصرف الصحي السليم والنظافة, ولابد لنا أن نذكر بأن مديرية السياحة التي كانت غائبة عن أي فعل سياحي بغض النظر عن السبب ( الإهمال أو ندرة الكادر) وجدت أخيرا من يحركها, فمديرها الجديد عارف بموضوعه وأهدافه ومليء بالحماس وقد قدم في أول اجتماع للجنة السياحية الفرعية بالتعاون معها, مذكرة إلى الوزارة, تضمنت إجراءات ومقترحات هامة شملت: دراسة واقع الطرق السياحية, ضرورة الاهتمام بواقع الأماكن الأثرية والتاريخية والسياحية ضمن مدينة الرقة وعلى ضفاف نهر الفرات وبحيرة الأسد وضرورة تحسين الوضع الخدمي في المدينة, وإقامة سوق للمهن اليدوية والشرقيات, وبناء متحف لآثار الرقة, وإنشاء متحف بانورامي.. ونحن نأمل منه خيرا كثيرا في مجال عمله.
أخيرا نقول: لاشك أننا اشتغلنا في التحريج, في الاهتمام بقلعة جعبر, بالرصافة, ببعض آثار مدينة الرقة, وفي السنتين الأخيرتين, أقيمت بعض المنشآت السياحية, ولكن هذه غيض من فيض لم يأت بعد.. وعلينا أن نجبره لكي يأتي, بأن نأخذ زمام المبادرة, نستفيد من توجه الحكومة, ونحسن مقومات النهوض السياحي, ونعمل على ترسيخ الثقافة السياحية بالاهتمام بالنظافة, وتحقيق الخدمات, وإنشاء الطرق وغيرها.. وأن نستثمر أو ندعو لاستثمار ما بين أيدينا, سرير النهر فيما بين الجسرين في الرقة, والجزيرة التي تقابل الرقة التي يزحف عليها الأهالي يردمون المياه التي تعزلها عن اليابسة للاستيلاء عليها, وجسر الرقة القديم..!
الألف ميل تبدأ بخطوة.. فلنبدأ بتحقيق الممكن وكل خطوة تقصر علينا الطريق الطويل!