قامت قوات الاحتلال الصهيوني بحفريات في محيط المسجد لتغيير ملامحه الإسلامية التاريخية, لترسيخ المقولة الصهيونية العنصرية القائمة على تزييف تاريخ القدس من خلال تزييف وتغيير هوية المسجد الأقصى الإسلامية العربية, لتعطي لنفسها الحق في احتلال فلسطين وأن أرضها تعود تاريخياً لليهود. مستخفة بعقول ووعي المجتمع الدولي, ومتجاهلة حقائق التاريخ الدامغة حول عروبة القدس وفلسطين وأن وجود (اسرائىل) في أرض فلسطين كان وسيبقى وجوداً مزيفاً مرتبطاً بالاستعمار الاستيطاني الصهيوني لهذا البلد العربي المقدس.
ولسنا بحاجة للعودة إلى تاريح فلسطين والقدس والمسجد الأقصى فكل ذلك معروف لكل باحث ومؤرخ موضوعي في الغرب وفي العالم, ولكن ثمة حقائق لا بد من التذكير بها ليكون من الواضح أن ما تقوم به جحافل الغزاة الصهاينة في فلسطين ومدينة القدس ومسجدها الأقصى, هدفه استعماري صرف لا يمت بصلة لا للدين ولا للتاريخ الحقيقي لفلسطين. إن الدفاع عن المسجد الأقصى هو دفاع عن حق مليار ونصف المليار مسلم في العالم, وهو احترام لذكريات تراثية تاريخية مرتبطة بالمسجد الأقصى لها مكانتها لدى المسلمين ولدى أبناء الديانات السماوية الأخرى وخاصة أبناء الديانة المسيحية.
وإذا كان اليهود متواجدين في فلسطين تاريخياً ولهم ذكريات معينة دينية, فإن تراثهم ليس مرتبطاً إطلاقاً بالصهيونية كحركة سياسية عنصرية, معبرة عن مصالح أثرياء اليهود المالية في العالم أجمع وليس في فلسطين وحدها, وما فعلته الصهيونية بوصفها حركة استعمارية استيطانية هو استغلالها للدين اليهودي كمرتكز وهمي لأهدافها الاستعبادية في المنطقة العربية والعالم.
واليهود الصهاينة في فلسطين اليوم, معظمهم من الوافدين إليها ليس بسبب قداسة فلسطين, بل لأهداف استيطانية وإنشاء وطن ليس له أية صلة بالأوطان التي جاؤوا منها والمنتمين إليها والتي تضم قوميات ومذاهب متنوعة وتحويل هذا الكيان المصطنع إلى قاعدة مدججة بالسلاح لخدمة المشاريع الاستعمارية الغربية وخاصة الأمريكية الطامعة في الهيمنة على هذه المنطقة الغنية بالثروات والخيرات الطبيعية (فإسرائيل) ومنذ قيامها تشكل مرتكزاً ثابتاً لمساعدة الاستعمار في تنفيذ مخططاته في (الشرق العربي )والمناطق الإقليمية المجاورة له شرقاً وغرباً.
ويبرز زيف دعاوى الصهاينة الفاجرة بأن لليهود الوافدين حق ما في فلسطين, لمجرد اعتناقهم للديانة وهم ينتمون في الواقع إلى قوميات وشعوب أخرى, وهؤلاء لا يمتون بصلة لليهود والمتواجدين تاريخياً في هذه المنطقة, أو ما يطلقون عليه تضليلاً يهود (الشتات) وليس لهم علاقة باليهود العبرانيين, ومن المنطقي أن يطرح بعض الباحثين في التاريخ سؤالاً مهماً عن العلاقة التي تربط الفالاشاو الإفريقيين باليهود العبرانيين الذين لم تكن لهم أية علاقة تاريخية بهم?.
إن ما يجري اليوم من اعتداءات جديدة على المسجد الأقصى, يأتي في إطار مؤامرة أصحاب مشروع( الشرق الأوسط الكبير الجديد) المسكونين بالمخططات الصهيونية لتمزيق المنطقة, واقتطاع أجزاء منها وضمها إلى الكيان الصهيوني بدعم أمريكي غير محدود, وتتماشى هذه المخططات الصهيونية مع المشاريع الاستعمارية الأمريكية, التي تسعى اليوم من وراء الحفريات الجديدة في المسجد الأقصى لتفريغ القدس من مضمونها وهويتها العربية الإسلامية, ومحو الأحياء العربية في القدس عن طريق تهويدها بتكثيف الاستيطان اليهودي فيها, وضم جميع المستوطنات حول القدس للكيان الصهيوني المنتشرة شمال وشرق وجنوب القدس وفيما إذا نفذ الصهاينة هذا المخطط فسيصبح عدد السكان العرب في المجالات البلدية الإسرائىلية في القدس وما حولها نحو 110 آلاف عربي أي حوالى 40% من عدد العرب الذين يعيشون في القدس اليوم وسيكون عدد اليهود أكثر من 540 ألف يهودي, وسيحاولون ارغام العرب الذين سيبقون في القدس على حمل الهوية الإسرائيلية والذي يعني تضييعاً كاملاً للهوية العربية والإسلامية للسكان العرب.
وثمة توجهات اسرائىلية اليوم لتقليص عدد العرب في القدس عموماً وضواحيها إلى أقل ما يمكن ليصبحوا أقلية وزيادة عدد اليهود فيها والمخطط أن تصبح نسبة اليهود نحو 88% من العدد الإجمالي للقدس العربية.
وكل ما يجري اليوم يأتي في إطار الصراع القائم في المنطقة بين مشروع الهيمنة الأمريكية الصهيونية والمشروع العربي التحرري الذي يحتاج إلى القوة والتوحد لكي يتمكن من مقاومة المشروع الصهيوني الأمريكي الخبيث, ولكي تبقي (اسرائىل) وحلفاؤها في واشنطن الحامل الاجتماعي والبشري للمشروع العربي ضعيفاً وتحويل الأنظار عن جوهر الصراع ودفعه باتجاه الفتن الداخلية ليصبح الصراع الفلسطيني - الفلسطيني والعربي- العربي هو الرئيسي ما يتيح للمتربصين الأمريكان والصهاينة تنفيذ مشروعهم الاستعماري المرسوم للمنطقة, وبقدر ما ينزلق العرب في حروب أهلية وفتن طائفية داخلية بقدر ما يسهلون مهمة تنفيذ المشروع الأمريكي الصهيوني إن كان في فلسطين أو لبنان أو العراق.
فهل يصحو العرب من كبوتهم في وقت يتعرض فيه الوطن إلى الضياع?! والتاريخ لن يغفر لكل من أساء لوطنه وشعبه وأمته.
والمسجد الأقصى يستغيث لنجدته وانقاذه من براثن برابرة العصر الصهاينة وأعوانهم الأمريكان!!..