أن الحرب الإسرائيلية التي شنت على لبنان في تموز الماضي, هي من أكثر الحروب التي توافرت فيها لاسرائيل بيئة دولية واقليمية مناسبة.
أما لماذا شنت الحرب على لبنان? فيجيب الدكتور عبد الإله بلقزيز أن ثمة اسباباً ثلاثاً على الأقل هي: أولاً, نجاح (حزب الله) في بناء حالة من توازن الردع في الجنوب اللبناني: أدركت المقاومة, منذ التحرير, أن المعركة مع الكيان الصهيوني مازالت مستمرة, وأن الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب اللبناني لم يضع لها ولن يضع لها فصلاً ختامياً.
والذي نجم عن هذا التقدير قاد (حزب الله) إلى بناء استراتيجية دفاعية لتهيئة الشروط الذاتية للمعركة, وقد راقبت (اسرائيل) بقلق بالغ هذا التطور الحثيث الذي يحرزه (حزب الله) في بنائه قدرة الردع الدفاعية لديه. من هنا, أتى قرار الحرب على لبنان, يتطلع من الموقع الاسرائيلي إلى إسقاط حالة توازن الردع التي نشأت بعد التحرير, ومنعها من التكرس والرسوخ, في أفق انتاج معادلة جديدة أو قواعد لعبة جديدة يكرس فيها الجيش الاسرائيلي حالة من المبادرة العسكرية الأحادية من جانبه, في مقابل تجريد المقاومة من القدرة على رد الفعل, ثانياً, تعثر تنفيذ القرار رقم 1559: انطلق قرار الحرب من عبثية انتظار نزع سلاح (حزب الله) بواسطة الحوار (بعد فشله بواسطة الضغط الداخلي). إذاً, الحرب هي الوسيلة الأجدى لذلك, و(اسرائيل) هي الطرف الموكول إليه أمر شنها, لأنها أكبر المتضررين من وجود مقاومة مسلحة على حدودها الشمالية, ثالثاً: الحصار السلبي لسياسة (الحرب على الإرهاب) فالحرب الاميركية على الإرهاب لم تحرز نجاحات كبيرة بحجم ما قدرته دوائرها السياسية والعسكرية والاستخباراتية, ففي أفغانستان استمرت (طالبان) في ضرب قوات الاحتلال, وذهبت المقاومة الوطنية العراقية بعيداً في استنزاف الجيش الاميركي وأدواته الأمنية المحلية, أما قوى المقاومة التي أدخلتها الإدارة الاميركية في قائمة (المنظمات الارهابية) كحزب الله وحماس والجهاد الاسلامي وغيرها... فزادت عنفواناً منذ بدأت أميركا حربها على الإرهاب, ولهذا بدا للإدارة الأميركية أن فتح حرب تصفية على (حزب الله) أمر ممكن لأسباب عديدة.
وفي جردة حساب لميزان الربح والخسارة بعد أن وضعت هذه الحرب أوزارها, وذهب الدكتور عبد الإله بلقزيز بقدر كبير من الاطمئنان إلى القول: إن المقاومة أسقطت معظم أهداف العدوان الاسرائيلي عليها وعلى لبنان, وفي ذلك نصر كبير لها, فقد خرجت المقاومة من الحرب محتفظة بقواها الذاتية من عملية التدمير الاسرائيلي الشاملة, ومحتفظة بقدرة الردع المضاد لديها, الأمر الذي سيتعزز به الموقع الدفاعي للبنان أمام أي مغامرة عسكرية اسرائيلية يحتمل قدومها مستقبلاً على نحو ما توحي به تصريحات قادة العدو العسكريين والسياسيين منذ نهاية القتال, وعلى نحو ما يخشى أن يسوغه غموض فقرات القرار 1701 الملغوم.لم تكن المقاومة وحدها من حقق هذا النصر, بل لبنان كله, دولة وشعباً ومقاومة, حين صمد وفرض على العدوان أن يتوقف دون أن يحرز الأهداف العسكرية والسياسية التي من أجلها انطلق, وحين رفض بالإجماع القبول بوصاية عسكرية دولية تنال من سيادته أو تجدد حرباً عليه من قوى أجنبية على شاكلة كوسوفو أو أفغانستان, كذلك حين قطع الطريق على سيناريو الصدام بين الدولة والمقاومة الذي اشتغلت عليه السياسة الاميركية والعملية العسكرية الاسرائيلية طويلاً ملحقاً الهزيمة بمشروع التفتيت والحرب الأهلية الذي حملته الغزوة الاسرائيلية شكلاً من أشكال الضغط على البنية اللبنانية لتفجيرها من الداخل وإطلاق مفاعيل ذلك التمزيق كي تستكمل ما بدأته الغزوة الاسرائيلية تلك.
أما السؤال الأهم والأجدر هو: ما الذي قدمته ملحمة المقاومة والصمود في لبنان للوطن العربي?
والجواب: قدم لبنان المقاوم جردة حساب للعرب مع حزمة من الأوضاع والأوهام استبدت بهم في زمن الهزيمة الطويل... حررهم لبنان من خوفهم على حقهم في رفع الصوت أعلى فقذف بجموعهم إلى الشوارع صارخين.حررهم لبنان من أوهام (السلام) مع عدو فاشي عنصري لا يرى في العرب والمسلمين إلا بعوضاً يليق به الدوس عليه والقتل من أجل (تنظيم المكان ل(شعب الله المختار).حررهم لبنان من ثقل الشعور القاتل بالدونية والصغار وزراية النفس أمام الوحش الكاسر وجيشه الذي لا يقهر. قالت لهم المقاومة إن ( الجيش الذي لا يقهر) قُهِرَ ممن لا يملكون بوارج أو طائرات أو دبابات أو مدافع ثابتة, لا يملكون إلا دمهم وشرفهم وروحهم القتالية العالية.