لم يكن هذا القول مفاجئاً لي، لم تكن كل الأقوال والأسئلة التي واجهتني بعد محاضرة قدمتها حول دور مجلس الشعب مفاجئة لي، ولم تثر غضبي،
اعترف أنها أثارت حزني، لجهل الناس في بلدنا بدور تلك المؤسسة التشريعية المهمة مجلس الشعب التي تشكل الأساس في بناء قاعدة تشريعية ترتكز عليها انطلاقة مسيرة الوطن على الصعد كافة.
بصراحة.. لم أفاجأ، لأن الصورة النمطية عن مجلس الشعب ليست على حقيقتها لماذا، من المسؤول عن هذه الصورة، مجلس الشعب نفسه، الإعلام، الحكومة، السلطات المحلية في كل محافظة التي تساهم في التعتيم على دور أعضاء مجلس الشعب، أعضاء مجلس الشعب أنفسهم؟! ربما كل هذه الأطراف مجتمعة مسؤولة عن التعتيم القائم على صورة المجلس الحقيقية.
باختصار شديد، تلك الصورة المأخوذة عن مجلس الشعب ليست صحيحة أبداً، ومجلس الشعب السوري يضم برلمانيين مميزين قادرين على الحوار في كل المسائل الوطنية والقانونية والثقافية والسياسية، كوادر قيادية مؤهلة للنجاح في أي موقع وطني، ولكنها مغيبة إعلامياً، وهذا التغييب ليس في مصلحة الوطن.
هناك مجموعات حزبية، وغير حزبية تحت قبة المجلس، ولها رأيها في أي مسألة تعرض على مجلس الشعب، تأتي مشاريع القوانين من الحكومة إلى مجلس الشعب، مرات، ومرات كثيرة، يعيدها المجلس بعد مناقشتها إلى الحكومة، أو إلى اللجان المختصة لمناقشتها مع الحكومة للنظر في كلمة، أو في عبارة من مادة أو في مجموعة مواد، والأمثلة كثيرة.. هذه حقيقة يجب أن يعرفها المواطن، أي قضية مهما كانت بسيطة على سبيل المثال في البرلمان اللبناني يعرفها المواطن السوري، ويعرف المتحدثين بها، لأن الإعلام لديهم يرافق الموضوع أي موضوع قبل طرحه، وخلال طرحه، وبعده.
من أجل توضيح دور مجلس الشعب السوري، من الضروري أن يسلط الإعلام السوري الضوء على عمل المجلس، وهنا أقول: «إن الزوايا الصحفية التي تتابع، أو تقرأ عمل مجلس الشعب في الصحف السورية نادرة، واللقاءات التي تجرى من قبل الإعلام المرئي مع أعضاء مجلس الشعب وحول عملهم أو حول مشروع قانون صدر نادرة، للأسف حتى موقع مجلس الشعب الإلكتروني متواضع جداً، لا يرتقي إلى مستوى نشاط وعمل وأداء المجلس، وأظن أن زواره كزوار الصحراء قليلون.
الحوار في مجلس الشعب السوري ليس حالة صخب، نعم.. يحصل خلاف في وجهات النظر بين الحكومة ومجلس الشعب، نعم.. في كل مشروع قانون يحصل خلاف، ولكن الخلاف لا يأخذ منحى تصادمياً، أي إن الخلاف بين الحكومة وأعضاء مجلس الشعب خلاف في وجهات النظر، يأخذ منحى واعياً للوصول إلى مشروع قانون يصب في النهاية في مصلحة المواطن والوطن، ويقود رئيس المجلس هذه الحوارات باقتدار، لتتجه إلى نهاية وطنية.
الحكومة لاتجد نفسها تحت قبة مجلس الشعب في وجه تكتلات طالما أن الفريقين- الحكومة، والمجلس- في خندق الوطن، لهذا يمكننا القول: إن الخلاف في وجهات النظر في الحكومة تحت قبة مجلس الشعب، ليس خلافاً من أجل الخلاف كما يحصل في البرلمانات الأخرى، أو لتسجيل مواقف من قبل هذا الفريق أو ذاك، وإنما لتصويب رأي، أو نص قانوني ليكون أكثر انسجاماً مع النهج السياسي والاقتصادي لسورية، وأكثر نفعاً لجماهير الوطن وخاصة الطبقات الفقيرة.
يمكنني أن أسوق أمثلة كثيرة، قانون العمل الذي بدأ المجلس بمناقشته الآن، أصرَّ المجلس على عدم مناقشته لأن الزميل رئيس اتحاد العمال لم يكن موجوداً، هذا كان رأي كل الأعضاء، وعندما حضر، بدأت المناقشات، لو كان هذا الموقف في برلمانات أخرى، لعمم الخبر على المحطات الفضائية ولأجريت لقاءات إعلامية بهذا الشأن سأتوقف سريعاً عند القانون الموحد للمشافي الجامعية، وهذا القانون هو واحد من قوانين كثيرة، أشبعت حواراً ونقاشاً، فالمادة 14 من القانون وحدها على سبيل المثال أعيدت إلى اللجنة المختصة «لجنة الإرشاد والتوجيه» مرات كثيرة على مدى أكثر من شهرين، وكوني عضواً في اللجنة المذكورة، أقول من موقع المتابع والمطلع على أدق التفاصيل في الأمر: «في كل مرة كان القانون يعاد إلى لجنة بإصرار من المجلس عامة، وبالتصويت، وفي كل مرة ينشأ حوار طويل وطويل جداً حول نص هذه المادة، إلى أن تم الاتفاق على نص في حقيقته يجعل القانون كله في مصلحة الفقراء، ويخدم بالتالي نظام الطبابة في هذه المشافي الجامعية التي باتت موضع ثقة كبيرة لدى المرضى السوريين وغير السوريين.
القانون الموحد للمشافي الجامعية، والذي قدمته الحكومة، مهم جداً، وكان من الضروري وجوده، ففي الماضي كان لكل مشفى جامعي نظامه الخاص به، لهذا كان لابد من قانون يوحد السياسات والخطط الطبية الجامعية الناظمة لشؤون التأهيل والتدريب والرعاية الصحية في المستشفيات الطبية الجامعية، وتحقيق التعاون والتنسيق في برامج البحث العلمي، وتوحيد القواعد العامة لقبول المرضى، وتوحيد الأسس وقواعد النظم الخاصة بالحوافز للعاملين في المستشفيات الطبية الجامعية، وتنظيم العلاقة وتحديد المسؤوليات بين كلية الطب والمستشفى الجامعي بالنسبة لأعضاء الهيئة التعليمية المكلفين العمل في المستشفى وطلاب الدراسات العليا.
مجلس الشعب السوري، وبالتحديد أكثر، باقتراح من رئيس مجلس الشعب إلى لجنة الإرشاد، كان صاحب فكرة إدراج مشفى البيروني المتخصص بمعالجة الأورام السرطانية إلى مشروع القانون، لخدمة العاملين فيه ومساواتهم بالعاملين في المشافي الجامعية الأخرى مع الحفاظ على مهمة مشفى البيروني وتوابعه بتقديم العلاج المجاني للمرضى السوريين، وتحصيل الأجور من غير السوريين، وهذا في مصلحة مرضى الأورام الخبيثة، وفي مصلحة العاملين في معالجة هذه الأورام الذين تكتنف حياتهم وطبيعة عملهم مخاطر كبيرة وكثيرة.