تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أظن أننا جميعاً كائنات مستوحدة... يوكو أوغاوا: أكتب عن حقب غير محددة

فضاءات ثقافية
الثلاثاء 29-10-2013
اكتشف القارئ العربي الروائية اليابانية يوكو اوغاوا عبر روايتين لها: «حوض السباحة» و«غرفة مثالية لرجل مريض» (ترجمة بسام حجار، دار الآداب) حيث اكتشف فيهما، نبرة جديدة للأدب الياباني،

مختلفة عن تلك التي اكتشفها مع الجيل السابق مثل كاواباتا وميشيما وغيرهما. مؤخراً صدر لها رواية جديدة بعنوان «لاعب الشطرنج الصغير»، مجلة «باروسيان» أجرت معها حواراً طويلاً حول الكتاب والكتابة، هنا ترجمة لأبرز ما جاء فيه:‏

• ولد لاعب الشطرنج الصغير، الشخصية الرئيسة في روايتك، بشفتين مطبقتين. لكنه يكتشف أن باستطاعته أن يتخاطب مع الآخرين وهو يستعمل الشطرنج. هل يمكنك أن تشرحي لنا هذه الفكرة، فكرة التخاطب عبر هذه اللعبة؟‏

•• حين ولد هذا الطفل الصغير، وهو يشكل رمزاً يلخص هذه الحياة، وُلد مع شفتين مطبقتين. ومع ذلك، وبدون أن يتفوه بكلمة واحدة، كان باستطاعته أن يعبّر، وكان يمتلك الطريقة عينها بالتخاطب الموجودة عند الآخرين. انتبهت أن لعبة الشطرنج كانت تشكل واحدة من هذه الوسائل في التخاطب. سبق لي أن كتبت العديد من الأعمال التي نجد أن شخصياتها الرئيسية لا يمكنها استعمال الكلمات من أجل التعبير بطلاقة، بالأحرى كانوا يستعملون الأرقام أو الآلات الموسيقية للتخاطب. كنت بحاجة، مرة إضافية (في هذه الرواية) إلى محيط لسنا بحاجة فيه إلى الكلمات، وقد وجدت، عن طريق الصدفة، لعبة الشطرنج، فقلت لنفسي حتى لو أن الأمر لا يزيد عن لعبة إلا أنها تشكل موضوعة متكاملة في هذه القصة.‏

• نجد في هذه الرواية، بأن ليس للاعب الشطرنج الصغير، أي منافس رسمي. لمَ اخترت في هذا العالم الأسود والأبيض، أن لا تضعي مقابله منافساً مباشراً؟‏

•• بالنسبة إليه لم تكن لعبة الشطرنج طريقة ليبرهن بأنه أقوى من منافسيه. بالتأكيد هناك رابحون وخاسرون في هذه اللعبة، بيد أن الساعات التي كان يقضيها في اللعب ضد منافسه، كانت بالنسبة إليه، لحظات رائعة. لم يكن هدفه أن يربح، بل الأمر أعقد من ذلك، كان يعبّر أمام خصمه وفي الوقت عينه كان يحاول أن يفهم خصمه عبر نقلات حجارته. في أي حال لقد ثقفه معلمه بهذا الاتجاه، وعبر جديه اللذين كانا يدعمانه. شجعه محيطه بأسره، فتعلم ما هو أهم.‏

• وبالنسبة إليه ما هو الأهم بالضبط؟ أهي ميرا أم لعبة الشطرنج؟‏

•• لو قرأت الكتاب كقارئ لا كمؤلف، لرغبت في أن تجري الأحداث كلها بين هذا اللاعب الصغير وميرا، لكن بالنتيجة لا تجري الأمور بهذه الطريقة. بالنسبة إليه، هناك هذه الحاجة التي لا يمكن إصلاحها في التضحية بحياته في سبيل هذه اللعبة. وبما أنه كان موهوباً فيها، كان عليه أن يضحي بشيء ما. حين كنت أكتب خاتمة الكتاب، وهي مأساوية، لم أكن أشعر بالحزن تجاهه، إذ وبالرغم من كل شيء، كان باستطاعتي أن أبقى معه إلى النهاية. هذا هو دوري ككاتبة أي في مرافقته حتى النهاية. في أي حال، هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بأحاسيس ما تجاه شخصياتي؛ ربما لأنه كان صبياً وحيداً بطريقة استثنائية. السبب الوحيد الذي أنهيت فيها قصتي بهذه الطريقة كانت فعلاً رغبتي في مرافقته حتى النهاية.‏

• غالباً ما تكتبين حول ثيمة الوحدة هذه. ما الذي يشدك، بخاصة، إلى هذا الموضوع؟‏

•• أنا شخص وحداني كما أنني شخص لا يحاول أن يهرب من الوحدة. أغرق بصمت في وحدتي وأتقبلها عبر الحديث معها. في النهاية أظن أننا جميعاً كائنات مستوحدة. نحاول أن نعبّر، نحاول أن نملأ حياتنا بنشاطات متنوعة، بمشاركات اجتماعية، بأن نكون وسط المجتمع، بيد أن الهدف في النهاية من ذلك كله هو الهرب من الوحدة. أحببت دائماً أن أكتب عن شخصيات أكبر سناً. أندهش بأولئك بسبب شيخوختهم، ببساطة. أن يكونوا قد عاشوا لهذه الفترة الطويلة يعني بالنسبة إلي أنهم استطاعوا أن يتقبلوا وحدتهم.‏

• العدو الوحيد الذي يمكن تبيانه ربما، في هذا الكتاب، هو فكرة التقدم في العمر. حتى لو هذا اللاعب الصغير قد قرر بأن «التقدم في العمر، مأساة»، إلا أنه كان مندهشاً بفكرة الحصار. هل كان سجيناً أم محمياً؟‏

•• تعود ذكريات الصبي الصغير إلى الفيلة إنديرا التي أصبحت كبيرة جداً بحيث لا يمكن لها بعد أن تخرج من الدكان، أو إلى المعلم الذي أصبح سميناً بحيث لم يعد بإمكانه الخروج من الحافلة. هذان الواقعان يشكلان اختلالاً نفسياً بالنسبة إلى الولد الصغير، بين جسده الفيزيائي وروحه، الذي يمنع في النهاية متابعته لعبة الشطرنج. حتى وإن كانت روحه بحاجة إلى جسده، لم يكن يستطيع اعتبار هذه الحاجة الفيزيائية حاجة طبيعية. حين يلعب الشطرنج، تهرب روحه من جسده وتتوجه إلى محيط الشطرنج. الجسد الفيزيائي هو على العكس من ذلك، هو شيء يمنعه من الدخول إلى هذا العالم. حين يختبئ تحت رقعة الشطرنج كان يعتقد أنه يختبئ في فضاءات مقفلة، بيد أن الأمر على العكس من ذلك، بالنسبة إليه، كان ذلك الأمر يحرره من جسده الفيزيائي ويسمح له بأن يدخل في واقع أوسع وساحر، إلى واقع بدون حدود. إنه باب ضروري لكي تسافر روحه، وكان ينسى جسده الفيزيائي حينذاك.‏

• يبقى فضاء السرد وزمنه، مبهمين، لمَ هذا الخيار؟‏

•• قلت لنفسي بأني أرغب في كتابة سيرة، إلا أن هذه الرواية ينقصها «الملح» لتكون كذلك: أي السياق المحدد. ربما لأنني أجد دوماً سهولة في كتابة مشهد من دون تحديد، تماماً مثلما نجد في حكاية الساحرات العبارة التالية «كان يا ما كان».. أحب أن أكتب عن حقب غير محددة، لأني أشعر حينذاك أن مخيلتي أكثر حرية. بالطبع، القصة تحدث في الماضي لأن ليس لي الرغبة في أن أكون في المستقبل. أضف إلى ذلك، إنْ وضعنا الكثير من التفاصيل الموجودة في حاضرنا لأصبحت الرواية محددة بسرعة.‏

• في جميع كتبك الأخرى، كانت الشخصية الرئيسية هي شخصية نسائية، هل يمكن أن تشرحي لنا خيارك لهذا الصبي؟‏

•• في الواقع، حين بدأت كتابة الرواية، لم أكن أعرف أن الشخصية الرئيسية ستكون ذكرية. كنت أعتقد أنه من الصعب عليّ كتابة وجهة نظر صبي، لكن ما إنْ بدأت، لم يشكل ذاك لي أي مشكلة. ربما لأنها كانت شخصية خاصة وليس الأمر في النهاية سوى قصة حب أرثوذكسية.‏

• غالباً ما تنبثق في أقاصيصك حياة الشبان المعاصرين العاطلين عن العمل، تنبثق شخصيات تنتمي إلى اليابان القديمة. إلى أي درجة تعاني اليابان اليوم من فقدان هويتها المرتبطة بالحداثة؟‏

•• نجد حالياً، في اليابان، أن كلمة «هينكاكو» (النبل، التميز) هي على «الموضة». فيما مضى، في اليابان، كانوا يعطون الأهمية القصوى للنبل أكثر مما يهتمون بالمال والدراسة. الأهم كان غنى الروح الذي يقدره الجميع ويثمنونه. في المجتمع الياباني الحديث، نجد أن هذا النوع من القيَم هو في طور الانهيار. الشخصيات التي أكتب عنها وأصفها هي أحياناً شخصيات غريبة، وأحياناً هي فريسة الجنون، إلا أنها بطريقتها هذه، لا تزال كل واحدة منها تحتفظ بقدر من النبل.‏

• توصف كتابتك بأنها «نثر متجمد»، كما أنهم في فرنسا يقارنون أسلوبك بأسلوب مارغريت دوراس. هل الكتابة عملية أليمة بالنسبة إليك؟‏

•• يلزمني وقت كبير من أجل الكتابة. أمضي وقتي بكتابة حرف وراء الآخر، لأمحوه، ولأعيد كتابته من دون توقف. بالنسبة إلى الرواية، يشكل الأسلوب عندي الأمر الأهم. فبدلاً من أن أسأل ماذا أكتب، أمضي الوقت بالتساؤل كيف أكتب. وهذا هو الأهم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية