تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تحولات الفلسفة

حصاد الورق
الثلاثاء 29-10-2013
يمن سليمان عباس

كيف حال الفلسفة هذه الايام وما الذي حدث لها وما التحولات التي حلت يها وعليها اسئلة يطرحها خيري منصور اذ كتب يقول حول ذلك قبل صدور وترجمة الحوارات المعمّقة التي اجرتها جيوفانا بورادوري مع اثنين من اشهر فلاسفة عصرنا

هما هابرماس ودريدا لم تكن الفلسفة كلها تعيش خارج جاذبية التاريخ، فهي منذ بواكيرها طرحت سؤالها المعرفي على التاريخ لكن في نطاق التجريد، ثم ما لبثت ان اشتبكت مع التاريخ سواء من خلال ما قدمته من يوتوبيات او مدن فاضلة او عبر مقاربات لم يكن الشقاء البشري خارجها، لكن احداث ايلول عام 2001 في امريكا بدت للبعض كما لو انها تاريخ آخر يبدأ من ذلك الحدث بحيث يكون كل ما سبقه ينتمي الى ما قبله وكل ما اعقبه ينتسب الى ما بعده، والحقيقة ان اي حدث حتى لو كان زلزاليا لن يصبح بديلا للتاريخين الميلادي والهجري.‏

قبل هذا الحدث ترجل فلاسفة الى الارض الموحلة ومنهم من تورط بالتاريخ حتى فقد رأسه او احرق او نفي، لكن القرن العشرين بما اتصف به من القسوة حيث شهد حربين عالميتين خلفتا ملايين الارامل والايتام والمشردين اضافة الى جريمة هيروشيما وناكازاكي تراجع فيه التاريخ قليلا ليفسح المجال امام الفلسفة، وهناك عدة امثلة رغم تباين البيئات والاهداف والوسائل منها تجربة انطونيو غرامشي الذي اشتبك مع التاريخ وانتهى الى توصيفه الشهير عن المثقف العضوي، وبرتراند رسل الذي ترجل هو الاخر من مرتفعات التجريد الشاهقة في الفلسفة والرياضيات والمنطق الى الشارع ليقود مظاهرات شاجبة للحرب الامريكية على فيتنام وضد التسلح النووي والابادي وانشأ مؤسسة شغل سارتر لبعض الوقت رئاستها في هذا المجال.‏

أما سارتر نفسه فقد كان اشد اشتباكا مع التاريخ في أقسى لحظاته، عندما احتلت فرنسا وقدم نقدا لاذعا لكتاب وفلاسفة لم يشهدوا على عصورهم، ومنهم فلوبير صاحب رواية مدام بوفاري حيث قال عنه انه فوّت على نفسه فرصة تاريخية الى الأبد ولم يتوقف الامر عند اشتباك الفلسفة المجردة بالواقع الحي، فقد وقع سارتر في الأسر وهذا ما فعله البير كامو ايضا عندما اشتبك كفيلسوف مع التاريخ في رواية الطاعون التي يجمع معظم نقادها على انها تقدم المعادل الوبائي والروائي معا لاحتلال فرنسا للجزائر.‏

بهذا المعنى ليست اطروحات هابرماس ودريدا هي الاولى في هذا الاشتباك، لكن شهرة الاثنين واعتبارهما من اواخر العائلة الكبرى في تاريخ الفلسفة في اوروبا هي ما اضاف الى مواقفهم من العنف بعدا استثنائيا. لهذا لا بد من اضاءة مرجعية لكل منهما، فجاك دريدا ولد في الجزائر من اسرة يهودية وطرد من المدرسة في الحرب العالمية الثانية، بعد قيام حكومة المارشال بيتان في فيشي التي اعلنها تحت مظلة الاحتلال النازي، وهناك ملاحظة بالغة الاهمية والحساسية سجلها مترجم الكتاب (خلدون النّبواني) في المقدمة هي ان دريدا شعر بالاختناق وعدم الاندماج خصوصا بعد حادث طرده من المدرسة وتجلى اثر ذلك في اسلوبه التفكيكي للذات والهوية واعتماده اسلوب التعريف بالسّلب.‏

والطريقة التي عبّر بها دريدا عن حدث جسيم كحدث ايلول الامريكي لا تنفصل عن سياق فكري يرى في العنف نتاجا تاريخيا أفضى اليه تراكم المكبوتات، يقول دريدا: ان حدثا كبيرا في التاريخ يتطلب اجابة فلسفية بعد مساءلة الافتراضات المفاهيمية المسبقة، بأكبر قدر من الجذرية، فالحدث من هذا الطراز تعبير عن سبات عقائدي، وهذا المصطلح (السبات العقائدي) يأخذه دريدا عن الفيلسوف كانط حين قال ان قراءته لهيوم بالتحديد أيقظته من سباته العقائدي، ويختصر هذا المصطلح الكثير مما يتداول اليوم حول الايديولوجيا الصّماء والدوغمائية والانكفاء الفكري. وفي مقدمة فضائل التنوير تحرير البشر من هذا السبات.‏

Yomn.abbas@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية