تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هيجان الغرب في المسافة ما بين الميدان وجنيف

شؤون سياسية
الثلاثاء 29-10-2013
بقلم: د. أحمد الحاج علي

في المسافة ما بين الميدان السوري ومؤتمر جنيف /2/ تقع الرواية التراجيدية للصراع الدائر في سورية وعليها، والمسافة هذه بلا هوية أصلاً، وبلا ملامح وبدون نهايات متوقعة أو محسوبة،

لأن الإرادات في هذه المسافة متضادة حتى النخاع، وفي هذه المسافة نلتقط نقطتين تمثل أحدهما ضرورات الاتصال والتواصل وهذا ما يحمله العمل السياسي والديبلوماسي السوري إلى الرأي العام العالمي وإلى دوله ومؤسساته الدولية وإن كان هذا الرأي الدولي مازال هائجاً ومائجاً تتقاذفه أحقاد مازالت مستقرة من عهود غابرة وثقافات.‏

ما برحت تنفث سمومها على العرب والمسلمين والمسيحيين منذ العصور الوسطى في هذا العالم المظلم والذي صاغ من الظلام بعض بؤر الشمس والنور ولكنه وقع فريسة لهذا الذي صاغه، والتواصل مع العالم يحمل معاني وأبعاداً هامة أولها أن العقل الوطني الحضاري السوري والذي استمد وجوده أصلاً من تراث الآباء والأجداد ومن خبرة الكيفيات المتراكمة في التعامل والتفاعل مع قوى العالم وحضاراته ، هذا العقل النامي والمتطور يعرف طريقه إلى تناقضات العالم، إنه يشبه أشعة الضياء التي تمتد إلى الكهف والزاوية ومناطق الرطوبة والغثيان المنتشرة ولا أحد يملك إمكانية كسر الشعاع أو تحويله عن مساره إلا إذا أراد أن يضحك على نفسه وأن يتستر على مخاوفه وقلقه بالمسلكيات المفعمة بالادعاء والتزوير وباغتيال الحقيقة وتدمير أسس الحياة وثاني هذه الأبعاد والهامة هو الذي تطلقه طاقة الموقف الوطني وقد تأسست وتجمعت من المواجهات والميادين الملتهبة وصور القتال البطولي وخبرة القلب النظيف والعقل السليم في الأداء العسكري ضد موجة الإرهاب، وهنا نعرف تماماً أن الغرب الاستعماري تصله الرسالة مباشرة ويدرك أن القصة ليست كلاماً معنوياً أو دبلوماسياً بل إنها منظومة اتحدت في سياقها عظمة التضحيات مع حيوية التعبير والتواصل مع الآخر وثالث هذه الأبعاد هو هذه الخلاصات المتبلورة في طريقة ومستوى التعامل مع القوى الخارجية وأساسها إننا في سورية لسنا هواة قتل وتدمير وأننا في سورية إنما نريد السلام لجميع توضعات البشر شريطة أن يكون المنطق الدولي لديه قابلية التلقي الخير لمعاني السلام والتفاعل الحضاري ولو في الحد الأدنى لهذا التلقي، هذه مسألة مهمة من خلال نقطة التواصل والاتصال مع العالم الخارجي وعلى وجه التحديد مع الغرب الاستعماري الذي نعرفه تماماً ولدينا خبرة المواجهة معه ولدينا توق الاستقطاب من خلال مايدعيه مع قيم الحرية والعدالة والسلام والمواساة وتكامل الحضارات بدلاً من صراعها لكن الأزمة الناشبة في الغرب بلا حدود أو توقف هي في ثنائية الموقف الحاقد تاريخياً على العرب وعلى سورية وفي التلاشي إلى حدود الغياب أمام الفكر الصهيوني وموجبات احتضان الكيان الإسرائيلي حتى لكأن هذا الكيان هو الجزء الأكثر حركة في الغرب ذاته وهو الجزء الأكثر تفوقاً في داخل دول الغرب وأممه وأنماط حضارته هذه المتلازمة الناشبة في مفاصل أميركا وأوروبا هي التي خنقت أبعاد أميركا وأوروبا وهي التي تخنق اليوم مسيرة الرؤية الواضحة والخطوات السليمة في المسافة مابين الميدان السوري وجنيف 2.‏

ثم تبدو النقطة الثانية الهامة في قصة التواصل والانقطاع عبر قواعد راسخة لاتقبل التأويل ولاتحتمل التأجيل وهي عامل الفصل بيننا وبين الآخرين وفي رحاب هذه النقطة تتدفق حقائق وأبعاد سورية أساسها أن هذا الوطن السوري هو ملك أبنائه وأنه ليس مجرد أبعاد جغرافية أو حقوقية بل هو مخزن الحضارة ومستودع أسرار الانبعاث العربي والإسلامي والمسيحي وأنه من بين كل تشكيلات الدنيا هو الذي استقر على خاصية استقبال الجميع ونشر الحضارة بإشعاعاتها المختلفة وترسيخ أبعاد رسالة يعتنقها كل إنسان بل كل مجتمع فوق سطح الأرض يبحث عن أمانه وعن تطوره وعن سعادة البشر أجمعين ولقد نسي الغرب ولربما تناسى على الأصح أن احتضان الإرهاب والإرهابيين وتغذيتهم بالحقد والسموم والموت وإطلاقهم في ربوع الوطن السوري عبر حدود مفتوحة بالأصل, وكانت تخوماً للاستقبال والتصدير الحضاري ومنافذ لكي يغترف منها الشقيق والجار والقريب والبعيد على قدر ما يستطيع من معاني الوجود الإنساني المتحضر ومن خبرة البناء المشترك للعالمين والذي لايجيده بلد آخر مثل سورية هنا أصل مفصل الانقطاع بل المأساة بكاملها وفي الغرب أدركوا جانباً واحداً دون غيره وهو أن بلداً مثل سورية يستوجب هذا الهيجان الإرهابي والاستمرار فيه والتوغل في مساراته القبيحة وهذا مانظم سلوك دول الغرب في أميركا وأوروبا والتي تتعهد حتى هذه اللحظة قصة التخريب الأكبر في عالم اليوم لكن الغرب المشبع بالأحقاد وهوس القتل عميت أبصاره وبصائره عن متابعة المشهد السوري بكل آفاقه وزواياه وهكذا كانت حربهم علينا بل حربهم على وجودهم وهنا تتوضع أبعاد واحتمالات المسافة مابين الميدان السوري وجنيف 2.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية