|
نساء خارج دائرة الضوء.. الشيخوخة.. حين يغدر الزمان..! عالم النساء
ولكنه الرقم الصعب الذي كان من المستحيل تجاوزه.. في دار الحنان لرعاية المسنين نماذج لتلك الحكايا البعيدة.. وفي هذه الإطلالة نحاول أن نتسلل خلسة رغم العلنية في الوصول والاستقصاء..
رغم أن الدار تستقبل الفئتين رجالاً ونساء, إلا أن نسبة النساء في الدار أكثر بثلاثة أضعاف من الرجال, والسؤال هل لأن الرجل يملك حق الاعتناء به من قبل الأهل أكثر من المرأة ?! أم لأن المرأة دائماً عاطفتها تمنعها من إجبار أحد على الاعتناء بها?! واعتادت أن تعطي دون مقابل أو دون أن تنتظر رعاية من أحد.. أو الاستقلال المادي للرجل جعل حياته مؤمنة أكثر من حياة المرأة عندما لا تجد من يعيلها أو يقدم لها الرعاية.
في دار الحنان التقت الثورة د. ندى فرحات الميداني (مدير عام دار السعادة لرعاية المسنين والعجزة) لتحدثنا عما تضمه هذه الدار: الدار جعلت النساء فيه تستغني عن العالم الخارجي دون أن يشكل هذا لهن أي إزعاج أو اضطراب نفسي, فيه نماذج وشرائح مختلفة من النساء اللاتي أصبحت الدار بمثابة منازل لهن تربطهن علاقة محبة وألفة كن قد فقدنها في أماكن سكنهن, فمن لا تعاني الوحدة تعاني العجز الصحي والمادي. بعد 12 سنة ابتسام (أم) السيدة.ع عمرها 37 سنة جاءت إلى الدار بحالة مزرية بعد أن توفيت والدتها, فحد التقرحات الجلدية وصل حتى إلى الأذن وهي تعاني إعاقة عقلية,
وكانت حالتها بمثابة تحد لابتسام عقل العاملة في الدار التي عملت جاهدة بعد الاسعافات الطبية لإعادتها إلى حالة شبه طبيعية ومتوازنة وكانت أول من لفظت اسمها المريضة منادية إياها ب(ماما) ابتسام بكل حب حدثتنا عن هذه التجربة وتجربة 12 سنة في الدار, فهي لم تتزوج إلى الآن رهنت حياتها لمساعدة الموجودين في الدار لدرجة ا ستغنت فيها عن المحيط الخارجي لتقول إن كل معاني الإنسانية موجودة في هذه الدار فإذا ما أردت أن تتعرف على الإنسان يمكنك ذلك بمعاشرة هذه الشريحة من الناس, فالصدق ومواجهة الحقيقة في كل يوم تجعلك تنظر للعالم خارج الدار بنظرة مغايرة تتعرف عليه للمرة الأولى لأنك لا تعيش الأحاسيس التي نعيشها, وإذا ما توفر لديها المال ستعمل جاهدة على توسيع الدار ليستوعب أكبر عدد ممكن. المرأة الريفية أكثر صبراً وحسن معاملة والكادر الذي يعمل على رعاية هؤلاء النساء أيضاً معظمهن من النساء فمقابل 44 موظفة في الدار نجد 10 موظفين رجالاً فقط إضافة إلى أن هذا الحيز تشغله المرأة الريفية والتي هي على حد تعبير د. فرحات أكثر قدرة على التعامل مع الآخر إضافة إلى الصبر الذي يمتلكنه نتيجة طبيعة الحياة القاسية في الريف, إضافة إلى مستوى عالٍ من الإنسانية نجده عند المرأة الريفية أكثر من غيرها, فمحيطها الأسري وطبيعة التعايش بين أفراده / الجد, الجدة, الآباء, الأبناء, الأخوة والأخوات والأقارب المتجاورون../ كل هذا أفرز حساً عالياً لدى تلك المرأة بالمسؤولية تجاه الآخر, وبالتالي الالتزام بالعمل بشكل مقدس.. عند استفسارنا إذا ما كانت تلك النساء العاملات يعانين ضغوطاً نفسية نتيجة رؤيتهن ما يخدش مشاعر المرأة باعتبارها عاطفية بطبعها? تجيب د. فرحات على العكس تماماً فمعظم العاملات على درجة عالية من الإنسانية وتعتبر أن ما تعمله هو أسمى أنواع العمل ويعطيهن هذا العمل راحة نفسية بتقديمهن العون والمساعدة للغير ويعشن عالماً أو ظواهر من الصعب أن يجدنها خارج إطار الدار. وعن نفسها تقول د. فرحات رغم أنها معروفة كإدارية ناجحة ورغم أن العمل الإداري يتطلب القسوة في بعض الأحيان هي كأنثى لا تتخلى عن مشاعرها وعواطفها في الحكم على بعض الأمور.. تعددت الأسباب وضمهن مكان واحد ضمتهن الدار إما لسفر الأبناء وعدم تواجدهم إلى جوار أهلهم ومنهن من لم تتزوج فلا أهل ولا أبناء ومنهن من حكم الموت بفراقهن عن الأحباب والأبناء فضمتهن دار الحنان وفي لقاء معهن, لكل حكايتها وقصتها:ف.م عمرها 70 عاماً موجودة في الدار مع شقيقتها أتت إلى الدار بناء على رغبتها, تزوجت ولم تنجب أطفالاً وترجح أن تقضي ما بقي من حياتها في هذه الدار. بينما أختها ف. م عمرها 93 عاماً لديها ذكران وأنثى وتتمنى أن يكون لها ثلاث بنات عوضاً عن الذكور, تحتاج لإجراء عملية لعينها منذ ثلاث سنوات والدار أمنت لها إجراء العملية مجاناً لكنها غير مخولة أن توقع لها ككفيل على إجراء العملية, والأبناء يرفضون التوقيع لإجراء تلك العملية. - السيدة ن. عمرها 93 عام تزوجت لمدة سنة واحدة فقط ولم تنجب الأولاد, ولم تستطع العيش مع زوجة أخيها بعد أن توفي والديها, أحضرها أخوها إلى الدار, لديها أمنية أن تذهب إلى الحج. - السيدة م. عمرها 80 عاماً فقدت ابنتيها, وابنها الوحيد خارج البلد, درست ولم تعمل سوى على تربية أولادها, سعيدة في الدار لكن الفراق على حد تعبيرها صعب جداً.. - السيدة ن. عمرها 70 عاماً, كانت تعمل في أحد المنازل كخادمة ليس لديها أهل, اعتنت بها سيدة المنزل إلى حد لم تستطع معه تأمين الرعاية كاملة فأرسلتها إلى الدار وما زالت تزورها باستمرار... - السيدةح. عمرها 98 عاماً مدخنة عتيقة, كانت تعمل كبائعة قماش, لاتعاني أي مرض سوى الشيخوخة, يتكفل بمصاريفها أخوها الوحيد المقيم في ألمانيا.. - السيدة س. عمرها 43 عام مقعدة بسبب شلل الأطفال توفي والدها, يتكفل برعايتها المادية إخوتها الأربعة. - السيدة ف. عمرها 89 عملت في مصبغة الشعلان طوال حياتها وصاحب المصبغة مع أولاده مازال يتبنى رعايتها في الدار . نداء خاص إن ما تحتاجه الدار, وتحتاجه تلك النساء هو التواصل مع الناس, فالشعور بالوحدة والشوق إلى الأهل لا يمكن أن تعوضه أي تبرعات أو تكاليف تدفع إلى الدار, فعوضاً عن اللهو هنا وهناك فلتكثر زيارة هؤلاء النساء اللاتي يبتهجن برؤية أي كان.. إضافة إلى إيجاد حل قانوني لبعض المشكلات التي يعانينها, فكما أنه يوجد قاض شرعي للأطفال لا بد من وجود قاض شرعي للمسنين..
|