وبسبب السرعة الزائدة وضعف الثقافة المرورية, وانعدام الوعي, نجم عن هذا الحادث حادث أكبر إذ صدمت شاحنة (كيا) سيارة بيك آب (سكودا) ضمت في كبينها ثمانية أطفال من أعمار مختلفة تراوحت بين (5-14) سنة.
الملفت للنظر في هذا الحادث المروّع, مقتل سائق الشاحنة الصادمة طعناً بالسكاكين من قبل ذوي الأطفال الثمانية البالغ عددهم (5 أشقاء) أصغرهم توارى عن الأنظار بعد مقتل السائق, وهو كما أفاد شقيقه في ضبط الشرطة من أرباب السوابق, ومتعاطي مخدرات..
شاهد عيان حدثنا من جهته أن هذا الحادث أتبعه على ذات الطريق حادث آخر نجم عن خلل مروري بسبب وقوع الحادثين السابقين, وإسعاف المصابين في سيارات عابرة, ريثما حضرت سيارة إسعاف سريع, أقلت سائق الشاحنة الذي تلقى أكثر من ثماني طعنات قاتلة -بالأمواس الكباسة- في جسده, ومن المفارقة أن يقول الممرض للمسعفين: (واحد منكم يتفضل معنا.. أنتم قتلتموه).
وبصرف النظر عن هذه المفارقات الإسعافية والمرورية دعونا نروي لكم الحكاية منذ البداية, وفيها ما يستحق أن نقف عنده بشيء من التفصيل..
موعد مع الموت
في حوالي الساعة العاشرة والنصف ليلاً من تاريخ وقوع هذه الحادثة, حصل أولاً حادث تدهور سيارة بيجو 504 كان يستقلها شخصان على طريق المطار-فوق جسر جرمانا الأول- إذ انقلبت السيارة من تلقاء نفسها بسبب السرعة الزائدة على الرصيف الترابي, وانشغل الناس بإسعاف الجريحين وحضرت رافعة لرفع حطام السيارة, ما سبب عرقلة مرورية وازدحاماً شديداً..
في تلك الأثناء كانت عائلة مؤلفة من خمسة أشقاء وأمهم وزوجاتهم وأولادهم الثمانية عائدة من (سيران) تقلهم سيارتان إحداهما بيك آب نيسان كانت تقل في كبينها النساء في المقدمة والثانية بيك آب سكودا كانت تقل في كبينها الأطفال.. وحاولت السيارتان المتتابعتان الوقوف في عرض الطريق لمتابعة الحادث, وأثناء تخفيف سرعة السيارة الثانية تمهيداً للوقوف, اصطدمت بها من الخلف شاحنة كيا مسرعة فانحرفت مقدمة سيارة السكودا باتجاه الشمال ومؤخرتها باتجاه الجنوب ومالت على الطريق الترابي ما أدى إلى سقوط الأطفال من كبين السيارة على الأرض, وغطت وجوههم الدماء, ولما نزل سائق الشاحنة الصادمة لإسعاف الأطفال, نزل ذووهم من السيارتين (البيك آب سكودا والبيك آب نيسان) وانهالوا عليه ضرباً بالسكاكين فهرب منهم مستجيراً بمزرعة, فلحقوا به حتى أجهزوا عليه تماماً.. ثم عاد بعضهم لإسعاف الأطفال في السرافيس العابرة, بينما توارى أصغرهم عن الأنظار..
في مشفى الرحمة
تبين أن الأطفال الثمانية قد أصيبوا برضوض وكسور مختلفة وثلاثة منهم وضعوا في غرفة العناية المشددة.. في حين وصل سائق الشاحنة (حسن عربش) /22/ عاماً والد لطفلين صغيرين إلى مشفى المجتهد مفارقاً الحياة..
وبالتحقيق في الحادثة, تبين أن الجميع اشتركوا في ضربه (حسب إفادة صاحب المزرعة التي لجأ إليها المغدور).
نادم على ما فعلت
وقد أفاد المقبوض عليه من بينهم أمام الشرطة ما يلي: (كنت عائداً من مطار دمشق الدولي بسيارتي البيك آب السكودا وكان يركب معي بالصندوق الخلفي أولادي شادي عمره 14 عاماً وفادي 12 عاماً وهادي عمره 8 سنوات ورافي عمره خمس سنوات وأولاد شقيقي سمير حسام عمره خمس سنوات وإياد ثلاث سنوات وأولاد شقيقي ياسر بسام عمره ثلاثة عشر عاماً واسراء خمس سنوات وابنة شقيقي عبد الحكيم مايا عمرها خمس سنوات وكان يسير أمامنا بسيارة بيك آب نيسان أشقائي سمير وياسر وعبد الحكيم عمره ثمانية وعشرون عاماً وطلال عمره ثلاثة وعشرون عاماً وعمر ياسر خمسة وثلاثون عاماً وعمر سمير سبعة وعشرون عاماً وكنا نسير بسرعة حوالي أربعين أو خمسين كيلو متراً بالساعة, وعند وصولنا مقابل بلدة جرمانا كانت سيارة بيجو متدهورة وأنا أسير على أقصى اليمين وأشقائي بسيارتهم أمامي فما شعرت إلا بصدمة قوية من الخلف انحرفت سيارتي عن مسارها واتجهت باتجاه التسوية الترابية أي باتجاه الشمال عندها حاولت النزول من الباب اليساري فلم أتمكن كونه أغلق من شدة الصدمة فنزلت من الباب اليميني فشاهدت أولادي وأولاد أشقائي بالأرض والدماء تنزف منهم وإذ بسائق السيارة ينزل منها فأمسكت به ورميته على الأرض فهرب مني وإذ بحضور أشقائي فلحقنا به وضربته أنا عدة ضربات لا أعرف بماذا ضربته كوني كنت بحالة توتر شديد وفقدت أعصابي وعندما ألقيتم القبض علي عثرتم بحوزتي على موس كباس لا أعرف إن استعملتها أم لا كوني كنت بحالة سيئة حيث تركناه بعدها وعدت أنا لإسعاف الأولاد وأشقائي هربوا بسيارتهم حيث تبين بأنكم قمتم بإسعاف الأولاد بسيارات عابرة.. هذا كل ما حصل, إنني نادم على ما فعلت وكان ذلك بدون إرادتي أطلب الشفقة والرحمة).
الجدير بالذكر أخيراً, أنه تم تقديم كل من طلال وشقيقه عبد الحكيم وعبد الناصر إلى القضاء موجوداً عن طريق السيد المحامي العام الأول بدمشق, بينما أذيع البحث عن سمير وياسر المتواريين عن الأنظار..
العواطف وتصعيد المواقف العدائىة
وقد علق الباحث الاجتماعي محمد جركس على هذه الحادثة بالقول: تلعب العواطف أحياناً دورها في تصعيد المواقف العدائية تجاه السائق, ولا سيما إذا كان المصاب أطفالاً ولكن انعدام الوعي والثقافة المرورية لعبا الدور الأكبر هنا لأنه كان يفترض بالجميع أن ينصرفوا لإسعاف الأطفال بدل ملاحقة السائق بالأمواس الكباس..
فما الفائدة إذا زدنا حصيلة الضحايا ضحية وتورطنا جميعاً بجريمة لم تكن في الحسبان..
بكلمة جد مختصرة أقول:
إن حشد الأطفال في كبائن السيارات البيك آب على هذا النحو خطأ, لأنه لا تتوفر فيه عناصر الأمان, والوقوف في عرض الطريق عند وقوع حادث لمجرد الفرجة عليه غير آمن أيضاً, وكذلك السرعة الزائدة من قبل جميع الأطراف تجعل احتمالات تفاقم الحوادث واردة والمطلوب من الجميع الهدوء والتروي وضبط الأعصاب وكبت الانفعالات..