تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هاوارد زنّ.. رحيل أسطورة

ثقافة
الثلاثاء 2-2-2010
ترجمة: مها محفوض محمد

هاوارد زن المؤرخ وأستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأمريكية رفيق درب نعوم تشومسكي من أهم الضمائر الحية في الولايات المتحدة ومن أولئك الذين ساعدوا على التحرك ضد الظلم أينما وجد. من دعاة السلام والمناضلين من أجله.

يرحل اليوم عن عمر سبعة وثمانين عاماً إثر نوبة قلبية في كاليفورنيا.‏

يقول عنه نعوم تشومسكي: «لقد ساهم بطريقة مذهلة إلى الثقافة المعرفية والأخلاقية في الولايات المتحدة، لقد وجه الوعي الأمريكي نحو تغيير عميق واتجاه بناء»‏

كان دوماً يعبر عن رؤيته للتاريخ وفي كثير من المناسبات، ففي أحد المؤتمرات في مونتريال وقبل أيام من انتخاب أوباما قال: «منذ تأسيسها كانت الولايات المتحدة بلد الأغنياء والفقراء، بلد مالكي الأراضي والمزارع، بلد الأسياد والعبيد، ومنذ بداياتها قامت فيها الصراعات والثورات: تمرد العبيد، ثورة المزارعين، ثورات الجوع في المدن.‏

واليوم لا يدرٍّس شيء من هذا في بلدنا كما لو كنا في الماضي عائلة كبيرة منسجمة.‏

ما أريد قوله حقيقة إن الصراع كان صراع طبقات قبل وخلال وبعد الثورة»‏

كما كتب زن عام 1994: «لا نستطيع البقاء محايدين فوق أرض تموج من تحتنا، ويضيف، منذ بداياتي كان للتاريخ أثره العميق في مهنتي، لقد حاولت أن أكون صادقاً أميناً حيال وجهات النظر الأخرى، وأبعد من الموضوعية كنت دوماً أريد أن يغادر طلابي الدرس وهم ليسوا فقط بصدد الإطلاع والاعداد الجيد انما ليصبحوا قادرين على اتخاذ المواقف والتخلي عن الصمت وأن يقاوموا الظلم أينما كان وحيث يكتشف.‏

وطبعاً اعتبرت آراء زن طريقة أو وصفة لاثارة المشكلات وهذا ما حصل في عدة مناسبات في جامعة بوستون التي بقي أستاذاً فيها لمدة أربعين عاماً حيث اتهمه أحد الرؤساء بتسميم المخزون المعرفي للجامعة.‏

هاوارد زن أعاد تشكيل كتابة نصوص تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ويعد من مجموعة المؤرخين التقدميين الماركسيين الذين لا يرون في التاريخ كدساً من الوقائع والحوادث (كما تؤكد المفاهيم التي غزت وسيطرت على عدد من الأوساط الأكاديمية وخاصة الانغلوساكسونية منها) بل التاريخ هو حقيقة الكائنات البشرية في علاقاتهم مع بعضهم ومع الحياة التي يواجهونها.‏

مؤلفاته عن التاريخ الأمريكي كثيرة:‏

كتابه (التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية) نشر في العام 1980‏

«التاريخ الشعبي للولايات المتحدة منذ العام 1492 حتى يومنا هذا» عن دار آغون عام 2002 وقد بيع منه أكثر من مليون نسخة، ولدى قراءته الممتعة نجده مؤلفاً حقيقياً سيبقى خالداً بعيداً عن جميع الأساطير التي طبعت في الأذهان ويعيد الحياة إلى كل الذين صنعوا التاريخ فعلاً. وكما تتلاحم تلافيف DNA عند الانسان تترابط فيه الأحداث ليجد التاريخ معنى له.‏

لقد استقى صناع الرسوم المتحركة من مؤلفاته حكاية شعبية عن الامبراطورية الأمريكية, حكاية ثورة في الشكل والمضمون ليقدم ميك كونوباكي قصة رائعة في عمل فني ضخم للرسوم التصويرية عن تاريخ الولايات المتحدة، رسوم متحركة تفعّل من جديد كتاب المؤرخ الكبير والجدير ذكره أنه في نهاية العام 2009 تم اختيار العمل لتقديمه في مهرجان أنغوليم للرسوم المتحركة.‏

وقد تميز الكتاب بنجاح كبير في المكتبات مع أنه قوبل بقنبلة من الاحتجاجات لأنه مليء بالحقائق التاريخية النفيسة وفي مونولوج حاد مؤثر يقابل الخيارات الذاتية والانسانية للمحارب بموضوعية الأنباء والمعلومات المثبتة تاريخياً.‏

وكتاب الرسوم المتحركة الذي يعتبر مرجعاً أيضاً يشدد الانتباه على العناصر الخفية في الذاكرة القومية وعلى جميع أشكال الظلم الاجتماعي, ففيه يقدم كونوباكي قصة تنسجم فيها الاستنتاجات البحثية مع معطيات السير الذاتية والتجارب كما يلقي المؤرخ الضوء على الوقائع التاريخية الكبرى والصغرى منها مذبحة وونديدكني عام 1890 إلى اشكاليات العصر الحديث والصورة هي الشاهد الأقوى وأحياناً مع العنف تعيد السياق وتسائل التاريخ.‏

القصة المصورة تقدم أيضاً وثائق مجتمعة وشهادات بصرية وأرشيفاً رسميا وصوراً شهيرة وخاصة، وأوراقاً مقتطعة من صحفٍ ورسوماً كاريكاتورية ورموزاً وهناك تحية لشجاعة ورؤية الاستاذ الكبير وانسجامه مع قناعاته كما تتميز بالترابط الواضح بين العبارات دون أن تستنفد العناصر التاريخية التي تشكل المعنى مع التشهير بخيارات الحكومات المتعاقبة ومصير الأقليات.‏

وصوت قوي يدعو إلى المقاومة ضد الوضع الحالي: الحرب، الطغيان، الامبريالية المجازر والتعذيب.. كثير من المعطيات تجسد المغزى السياسي في هذا المجمل التاريخي.‏

العمل سيعرض قريباً في معرض أنغوليم الشهير في فرنسا للرسوم المتحركة لكن ياللأسف رحل هاوارد قبل أن يشهد نجاح أعماله وإرثه العظيم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية