تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في ذكرى رحيل زكي نجيب محمود... أين العقل العربي الناقد ..؟

دائرة الثقافة
ثقافة
الأربعاء 23-10-2013
تمر هذه الايام ذكرى رحيل زكي نجيب محمود الفيلسوف العربي المصري الذي يمثل بحق العقل الناقد والنافذ في الثقافة العربية فهو من اوائل الذين نبهوا الى خطر استقدام كل شيء من الغرب

على الرغم من انه كان يميل اليه فكرا وفلسفة ويرى ان الفكر العربي الحالي مدقع بالفقر بل ضحل الى حد يثيرا لشفقة انه الفيلسوف الذي كتب عنه الكثيرون في مصور بذكرى رحيله وها هي اخبار الادب المصرية تحتفي به بذكراه ومما قالته عنه وعن فكره الاصيل زكي نجيب محمود يمثل إشكالية فكرية ونقدية كبيرة، والذين كتبوا عن بداياته أغفلوا أنه كان من كتاب مجلة «السياسة الأسبوعية» والتي كان يرأس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل، وهنا نعرف أن زكي محمود نشأ في حضن إحدي المدارس الليبرالية الكبيرة، وكانت هذه المدرسة منفتحة علي الثقافة الغربية بشكل واسع، وكان زكي نجيب الشاب اليافع، يكتب مقالات في الأدب والثقافة منذ عام 1928، وكان عمره ثلاثة وعشرين عاما فقط، ورغم أنه كان من كتاب جريدة السياسة الأسبوعية، إلا أنه كان تلميذا نجيبا لأفكار عباس محمود العقاد وسلامة موسى في الوقت نفسه، ومن المعروف أن محمد حسين هيكل وعباس العقاد على طرفي نقيض سياسيا، ولكن زكي محمود استطاع أن يحيا في منطقة تزعم العزلة لنفسها، وهي الثقافة، إذ أن جميع من شاركوا في صياغة روح العصر في المنتصف الأول من القرن العشرين، كان لهم تقدير كبير للثقافة الغربية، وتعتبر هذه الثقافة وجدواها وفاعليتها هي القاسم المشترك بين الجميع، لكن كل هؤلاء كانوا على خلافات سياسية، ولكن الثقافة كانت الأبقى، لكن الثابت والقاسم المشترك هو العامل الثقافي الغربي، وكان زكي نجيب محمود متشدداً في الانحياز للعقاد، وكان يستشهد به كثيرا، واستطاع أن يأخذ أفكاره ، وتأكيدا لمقولة كيبلنج «الشرق شرق والغرب غرب»، وبالتالي فهما لن يلتقيا، ولكن محاولات زكي نجيب محمود التوفيقية، لم تكن إلا نكأ لجراح قديمة، وهذا ماناقشه د. حسن حنفي في دراسته العميقة بالتفصيل، واعتبر أن زكيا كان يحاول أن يصل بين «الأنا» السلبية، و»الآخر» الإيجابي، يقول حنفي في هذا الصدد: «لما كان الأنا أقرب إلى السلب منه للإيجاب، وكان الآخر أقرب إلى الإيجاب منه إلي السلب، فإن السؤال الآن ما هو جدل الأنا والآخر، جدل السلب والإيجاب؟، وهل يصل الجدل إلي أقصي حد في ثنائيات متعارضة بين الموضوع ونقيضه أم أن له حلا في مركب بينهما؟ «ويستطرد حسن حنفي في تحليل طويل منتقدا مشروع زكي نجيب محمود بطريقة علمية ليس فيها أي تجريح، ولكنه يطرح عدة ملاحظات على كتاب زكي: «عربي بين ثقافتين» قائلا في إحدى هذه الملاحظات: «(عربي بين ثقافتين) هو في الحقيقة عربي مع ثقافة ضد أخرى، مع ثقافة الآخر ضد ثقافة الأنا، مع ثقافة العلم والعقل والطبيعة ضد ثقافة الدين والوجدان»، وأظن أن هذا النزر من توصيف حسن حنفي لكتاب زكي نجيب محمود، ينطبق علي معظم رحلة زكي الفكرية عموما، رغم كافة المجهودات التي بذلها في المقارنة بين الثقافتين، أو محاولة الجمع بين هاتين الثقافتين، رغم أن زكيا علي اعتقاد كامل أن هذا لن يحدث، لقناعته بتفوق ثقافة الآخر علي، بل في مواجهة ثقافة «الأنا»، والذي يتأمل عناوين كتبه، كما ألمح غالي شكري، سيدرك الانحياز الكبير لكاتبنا لثقافة الآخر، ولا أريد أن أقول العمالة أو الانسحاق أمام هذا الآخر، ولعل كتابه «شروق من الغرب» لا يعني سوى عنوانه، أن الغرب هو صاحب الإضاءة والمنارة والحضارة، وهو كتاب أدبي بديع، ومهما كانت الانتقادات التي توجه لكاتبنا، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل أنه كاتب مقال من الطراز الأول، وهو أستاذ لمدرسة عريضة تأثرت بأسلوبه في الكتابة، هذه الكتابة الهادئة العقلية الرصينة، هذه الكتابة التي يكمن وهجها في فكريتها وليس في حماسة المفردات، لأن زكريا كان يتجنب دوما هذه الحماسة، وكان يحاول أن ينأى دوما عن معتركات السياسة، رغم أن كتاباته تتورط بأشكال مختلفة في هذه المعتركات، فعندما جاء الميثاق، تم تفسيره علي وجوه عديدة، فهناك من اعتبره ميثاقا ماركسيا، لأنه قال بالاشتراكية العلمية هناك من اعتبره إسلاميا، وهكذا، وكان زكي نجيب محمود في لجنة المائة التي كانت تقدم قراءات في الميثاق، ولكنه لم يقدم، ولكنه كان علي مدى سنوات الخمسينيات يقدم نفسه علي أساس أنه عروبي، ولكن هذه العروبية ذابت وتبخرت أيام السادات، عندما حاولت الحقبة الساداتية أن تركل هذه العروبة بعيدا، وتعيد شعارات «مصر للمصريين»، ولكن في شكلها البائس، لأن هذا الشعار لم يرفع في وجه العرب والعروبة مطلقا، ولكنه كان مرفوعا ضد الإنجليز والفرنسيين والأتراك كذلك، وكان الذي عمل علي تفعيل هذا الشعار أحمد لطفي السيد في أوائل القرن العشرين، لذلك نلاحظ أن عودة هذا الشعار كانت عودة خبيثة ومشبوهة وغير موفقة، وحتى شعار «العلم والإيمان» لم يكن شعارا نزيهاً، ولم يكن إلا غرضا لعرض، وعن طريقه أعاد أنور السادات كل دراويش الإسلام السياسي لإرهاب الشيوعيين، وسار زكي نجيب محمود في هذه الجوقة لدرجة قصوى، حتي أنه في مقالاته الأهرامية كان ينتصر بشكل قوي للسلطة وشعاراتها، حتي أنه انتصر لهذه السلطة عندما شرعت في الصلح مع اسرائيل، وكان مع التطبيع، وكان مقاله التحليلي الطويل الذي ضمنه كتابه «ثقافتنا في مواجهة العصر»، موسوعة «قصة الحضارة»، وفي السبعينيات حصل علي جوائزمهمة.‏

زكي نجيب محمود الذي تمر ذكرى رحيله العشرون في هذا الشهر، رغم كل ما يلاحظ علي مسيرته، فهو من الكتاب والمفكرين البارزين الذين جاهروا بأفكارهم الفلسفية والأدبية في ظل أنظمة سياسية عاتية، وإن كانت هذه الأفكار تنتمي في بعضها إلي النمط المحافظ، إلا أننا لا نستطيع أن نغفل ما أثارته هذه الأفكار علي مدى حياته كاملة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية