تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


زهرات برتقال.. وثمرات زيتون .. دراسات في الأصالة

كتب
الأربعاء 23-10-2013
أغنى المكتبة العربية دراسات يصعب حصر فائدتها وتقديراً لجهوده قامت وزارة الثقافة بطباعة كتاب (زهرات برتقال.. وثمرات زيتون) يحوي مجموعة من دراسات الدكتور عمر الدقاق، المنثورة في الدوريات

والتي تشكل رؤيته النقدية والحياتية، وقد وصفها الدكتور علي القيم في مقدمته للكتاب بأنها تتسم بالطابع النقدي المميز المشهود له بالصدق والمنهجية العلمية البعيدة عن المجاملة والمحاباة، ومن خلال هذه الرؤى والدقة في البحث والتناول، احتل عن جدارة مكانة سامقة بين النقاد والباحثين العرب، وفي الأوساط الجامعية والأدبية، وقوام هذه المكانة يكمن في طبيعة تكوينه اللغوي المكين منذ يفاعته، وثقافته الأدبية المرتكزة على تراث العرب النقدي الأصيل، ويضاف إلى ذلك كله خلفيته الفكرية الرافدة ولاسيما ثقافته النقدية الوافدة والمكتسبة مما هو سائد في العالم المتقدم من حركات النقد الحديث..‏

فكتابات عمر الدقاق، كنت وما زالت تجيد الإلمام بالجوهر، وقادرة بعفوية وقوة على الانتقال بحيوية ورشاقة من موضوع إلى آخر، مع المحافظة على روعة الوصف، وجمال اللغة، وتكشف الأسرار وخبايا المعاني، فستقرئ الأعمال الجديدة، وتجيد التحليل والقراءة واستخلاص الأبعاد والمضامين والعبر.‏

كروحه دائماً تزهو بما أعطت، تصدح فيها العناقيد، فيها الحب والشعر، وأنبل الكلمات الخضر، دائماً تزهو بجديد، نستعيد من خلال رعشات التاريخ ورومانسية الزمن القادم من عمق حضارتنا العربية، وتجعلنا نبكي لمجد قد سلف لم يكن محتفظاً فيه الخلف..»‏

والمتتبع لكتابات ومؤلفات الدكتور الأديب عمر الدقاق، يجد نفسه أمام مرجعية كبيرة، متنوعة، غنية، خصبة، لمراحل مختلفة من تاريخ وحضارة وآداب مدينة حلب الشامخة الأبية، وللأعلام والشخصيات الذين رسموا ملامح عظمتها وخلودها ورقيها ورسالتها الإنسانية الخالدة، ويرى ملامح من جولاته التي قدمت الوجه المشرق للحضارة العربية وللثقافة العربية، يرى ملامج شخصيته النبيلة التي عاشت في محراب الفكر والأدب والتاريخ والفنون، وكيف أعطت لنا المثال الرائع في الانتماء والاتزان والتربية والثقافة والتعليم، يقول تحت عنوان رسالة الأديب في مكافحة الصهيونية، إن لزوجة الدم العربي الطاهر التي خضبت الأرض، قد أسكتت إلى الأبد تلك الأصوات الناشزة التي أطالت وقوفها وترددها وهي تتحدث حديثاً أجوف عن فلسفة الجمال... وإذا كان العرب قد رفعوا اليوم شعار «كل شيء للمعركة» وأجمعوا على تصفية آثار العدوان، فإن عليهم في الوقت نفسه أن يبدؤوا بتصفية آثار الغزو الفكري وإزالة معالم التيارات الثقافية الضارة التي دأبت على توجيه رصاصها المكتوم إلى الجبهة الثانية «الشعب».. لقد تسلل أعداؤنا إلى عقولنا وتسربوا إلى نفوسنا مستترين وراء نفر من أبنائنا بعد أن جعلوهم يمسكون بالقلم والذهب بملئ أيديهم.. إن أرضنا يجب أن تخلو من هذه القواعد الثقافية الوطنية الأجنبية ذات الوجهين، لأنها كالموت مستعجلاً يأتي على مهل ويدأب في اغتيال الفكر العربي ومن ثم التحفز العربي...»‏

وعندما تقلَّب صفحات الكتاب يطالعنا هذا التنوع البديع الذي ينقلنا إلى أماكن شتى، مع المحافظة على الجدية والعلمية العالية، ويغوص في مواضيع جديرة بالبحث والدراسة والوقوف الطويل المتأني لدراستها، ومنها «التفاعل الأدبي بين المغتربين العرب والبرازيليين، الحياة الأدبية في المهجر البرازيلي، غاندي والأدب العربي، الحرف العربي في البرازيل، صحافتنا الأدبية في المهجر البرازيلي، بصمات أدباء حمص في ربوع القارة الأميركية ومنها نقتطف «كان لنبهاء حمص أيضاً حيز أكبر في جنوب القارة الأميركية ولاسيما المهجر البرازيلي، حيث تمكن المغتربون الحمصيون من تشييد صروح حضارية وعمرانية باذخة، لعل من أهمها ما كان في سان باولو كبرى مدن البرازيل، وموطن أكبر تجمع عربي في القارة الأميركية، حيث تنادى الحمصيون في بداية ثلاثينيات القرن العشرين إلى تأسيس جمعية خيرية إنسانية سموها «جمعية الشعبية الحمصية» وهي واحدة من بصمات رجالات حمص على إخوانهم العرب فيما وراء البحار... وعلى الصعيد الفكري والأدبي، كانت تغلب على أدباء حمص وسائر رفاقهم النزعة القومية العربية إلى جانب سائر النزعات الاجتماعية والوجدانية والإنسانية- ومن المبدعين الأعلام الذين رفدوا أدبنا العربي الحديث بفيض عطاءاتهم المتميزة، ندرة حداد، نسيب عريضة، عبد المسيح حداد، نظير زيتون، حسني غراب، ميشال مغربي، نصر سمعان وغيرهم..‏

ويفرد الكاتب باباً خاصاً للحديث عن النهضة العمرانية في بلاد الشام أواخر العهد العثماني وجعل من القدس وحلب أنموذجاً، فهما مدينتان عربيتان إسلاميتان شقيقتان، جمعتهما منذ القدم أواصر جمه، دينية وقومية وثقافية وعمرانية، وكان أن انعكس تلاحمهما جلياً في نفوس الأجيال وعبر التاريخ... مهما تباعدتا في المكان توءمان في القلب وذكر ذلك شيخ المعرة «أبو العلاء المعري» بقوله:‏

يا شاكي النوب انهض طالباً حلبا‏

نهوض مضن لحسم الداء ملتمس‏

واخلع حذاءك إن حاذيتها ورعاً‏

كفعل موسى كليم الله في القدس‏

يقول في هذا البحث:‏

اليوم تنعم حلب بالعديد من الصروح العمرانية الماثلة والمنشآت الحضارية المهمة التي تنتشر في رحاب هذه المدينة التاريخية العريقة، والتي تزدهي بمساجدها العامرة، وقبابها الرحيبة، ومأذنها الرشيقة، فضلاً عن خاناتها وأسواقها ومدارسها وحماماتها، ومن أبرز تلك الصروح والمنشأت جامع العثمانية والبهرمية والمولوية ومدرسة العادلية والخسروية، ثم المكتب السلطاني والمدرسة الرشدية والمستشفى الوطني والسراي القديمة، وساعة باب الفرج ومنتزه السبيل، ومحطة سكة حديد بغداد، أما المساجد فقد تكاثرت في حلب على مر العصور وتعاقب الحكام حتى بلغت اليوم 461 مسجداً موزعة في كل أحياء المدينة وحاراتها.‏

من الأبحاث والدراسات نقرأ ريادة الأفغاني ومحمد عبده في النقد الأدبي، النرجسية والأبيقورية في غزل وجيه البارودي، جماليات الثنائيات والمتضادات في العبارة العربية، المسرح الغنائي، وعالم الألوان لدى الطبيعة والإنسان ونقف عند بعض ما جاء فيها: «لقد كان للألوان منذ الأزل شأن كبير في حياة الناس، إذ ارتبطت أوثق ارتباط بوسائل عيشهم وبأفكارهم وتقاليدهم وعاداتهم ومفاهيمهم، وطبيعي أن يتميز كل شعب بجانب من الألوان تبعاً لمحيطه وبيئته، فالعرب وإيثاراً منهم للإيجاز جنحوا لاستخدام الصفة بديلاً للموصوف، ولذكر لون الشيء عوضاً عن الشيء نفسه، ما يدل على تميزهم وأصالتهم، فهم يقولون البيض، يريدون السيوف، ويذكرون الدهم فيقصدون الخيل، الصهباء (الخمرة)، كما يطيب للعربي أن يطلق أسماء الألوان على أنواع الحيوان في بيئته (الأصهب، الأشهب، الكميت، الأشقر، الأدهم، الأكحل، الأطلس... وعلى هذا الغرار مضى الإنسان المتحضر يتعامل مع الألوان المتنوعة في إطار الرمز سعياً وراء دلالات جديدة تزيد آفاقه غنى، فاتخذ الحمامة البيضاء شعاراً للسلام، الراية البيضاء علامة للاستسلام..‏

وقد ألحق بالكتاب مجموعة من الصور التي تؤرخ لمناسبات عاشها أديبنا الكبير عمر الدقاق، سواء في المؤتمرات التي شارك بها أم في حفلات التكريم التي كانت تحتفي به، ولقاؤه مع الهديد من رجالات السياسة والأدباء والمفكرين ممن عاصروه، على الصعيد العربي، واليوم ومن أقواله نذكر «لقد أكسبتني الأسفار تجارب حياتية غنية، وخبرات ثقافية جمة، ومفارقات طريفة متنوعة، كلها عادت علي بثراء نفسي وفكري لا سبيل إلى اكتسابه من بطون الكتب، فالكون والطبيعة والتواصل مع الشعوب والأقوام خير زاد يكسبه المسافر من خلال رحلاته، وعبر أسفاره، وعلى الرغم من الأسفار والترحال، إلا أن الوطن هو الأفضل والأجمل، والعيش في حضنه هو الأحلى، ولذلك فقد خلعت عن كتفي حقبة الأسفار وآثرت البقاء في مدينتي المحروسة حلب مستريحاً في رحابها..»‏

الكتاب.. الدكتور عمر الدقاق، زهرات برتقال وثمرات زيتون إعداد وتقديم الدكتور علي القيم.. منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب 2013/ دمشق- الغلاف تصميم أحمد إسماعيل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية