تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تعقيدات جنيف والخطوط الحمراء

متابعات سياسية
الأربعاء 20-4-2016
عبد الحليم سعود

رغم التصريحات الحذرة حيناً والمتفائلة حيناً آخر من قبل الوسيط الدولي بشأن حل الأزمة في سورية ستيفان ديمستورا،لا يبدو أن جولة التفاوض الحالية في مسار جنيف الثالث ستفضي إلى اختراقات حقيقية في جدار التعنت والمراوغة

الذي يستند إليه وفد الرياض لتحقيق حلم الأبالسة في سورية من معارضات الفنادق ، واللافت أن أعضاءه من ممثلي التنظيمات الارهابية والدول الداعمة لها مازالوا يحلمون ويتحدثون ويتصرفون وفق عقلية المنتصر الذي يحق له إعطاء الأوامر وفرض الشروط، وكأن نتيجة الحرب قد حسمت لصالحهم، مستفيدين من بعض الخطابات الجوفاء التي يبرطم بها ببغاوات آل سعود والنظام التركي، وكذلك مهرجانات التهريج الهزلية التي يتقاسمها قادة الكيان الصهيوني مع بعض القادة الغربيين.‏

يحقّ لديمستورا أن يكون دبلوماسيا إلى الحد الذي يضمن أو يؤمن له نجاح مهمته الأممية، ولكن ليس من حقه أن يتجاهل أو يتعامى عن الوقائع والحقائق والتطورات التي تؤثر بشكل مباشر على هذه المهمة، إذ ليس لائقا بالوسيط الدولي الموقف الحيادي الذي اتخذه تجاه أمر العمليات الذي أطلقه أحد الإرهابيين المهيمنين داخل وفد الرياض بشأن إشعال الجبهات في سورية كنوع من الضغط المباشر على طاولة التفاوض، لأن مثل هذه الدعوات من شأنها أن تقوض مساعي الحوار والتفاوض، وأن تسقط الهدنة الهشة التي تخرقها الجماعات المسلحة مراراً وتكراراً منذ بدء سريانها قبل نحو شهرين، وأن تقتل أي أمل بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، عدا عن تبديدها أي تفاؤل يمكن أن يخطر في بال ديمستورا أو سواه.‏

فالوسيط الأممي يعلم كما يعلم غيره من الراعين لجنيف ثلاثة أن وفد الرياض لا يملك قرار نفسه كونه صيغة سعودية تركية وهابية تكفيرية بربطات عنق أوروبية لتمثيل الجماعات الارهابية، إضافة إلى كونه ذراعا سياسية أميركية لتغيير الأوضاع وزعزعة الاستقرار في سورية، وبالتالي هو مجرد صدى لعواصم إقليمية وغربية دأبت منذ خمس سنوات على حشو أدمغة أعضائه بإمكانية استلام مقدرات الحكم والدولة في سورية بغية تقسيمها أو فدرلتها وتحويلها إلى مشيخات على النمط الخليجي التابع، سعياً وراء تغيير وجهها العربي المقاوم الذي يقض مضاجعهم.‏

فمنذ بيان جنيف الأول ليس على ألسنة هؤلاء العملاء والمرتزقة سوى عبارة واحدة يكررونها عشرات المرات كل يوم :هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات...إلى آخر الأسطوانة المشروخة، فيما الحرب على الارهاب آخر همهم، وكأنهم جاؤوا إلى جنيف باستفتاء دستوري من الشعب السوري ليعبروا عن أحلامه وتطلعاته، فيما وفد الحكومة السورية الذي يمثل غالبية الشعب السوري وينطق باسمهم جاء من المريخ..!‏

من المؤسف أنه لم يصدر عن ديمستورا أي موقف واضح تجاه طلب وفد الرياض تعليق التفاوض إلى أجل غير مسمى، وتهديده بإشعال الجبهات في سورية، ولا أحد يعلم كيف سيكمل الوسيط الأممي مهمته في حال انسحب وفد الرياض من المحادثات بناء على طلب مشغليه الدوليين، أو نفّذ تهديداته بإشعال الجبهات، وهو ما حدث فعليا على الأرض حيث أوعز وفد الرياض لفصائله المسلحة الموقعة على الهدنة بدعم جبهة النصرة الارهابية لشن أعمال عدوانية واعتداءات إرهابية في أرياف حلب وحماه واللاذقية لتحسين شروط التفاوض في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير عن تمرير أسلحة متطورة وإرهابيين عبر الحدود التركية، في حين اكتفى ديمستورا بمجرد الشعور بالقلق على عادة رئيسه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون..؟!‏

هذه الخروق الكبيرة المهددة للهدنة من قبل من يمثلهم وفد الرياض ويتحدث بلسانهم، تزامنت مع تصعيد إسرائيلي على جبهة الجولان المحتل، حيث حرص رئيس وزراء الكيان الصهيوني الصديق جداً لجبهة النصرة والمتعاون جداً مع الإرهابيين في الجولان على رفع معنويات الداعين لإشعال الجبهات، وأطل برأسه القذرة برفقة قطيعه الحكومي العنصري في لحظة مفصلية ليطالب العالم الاعتراف بضم كيانه الغاصب لهذه البقعة الغالية من الأرض السورية التي قضت قرارات الأمم المتحدة ببطلان قرار ضمها لإسرائيل، وكأنه يقول للأمم المتحدة: إنا حاضر في جنيف من خلال وفد الرياض أو من يرعاه فلا تنسوا هذه الحقيقة ولا تتجاهلوها، إذ ليست مجرد صدفة أن يأتي هذا التصعيد الاسرائيلي في الوقت الذي تنطلق فيه محادثات جنيف وأن يلاقيه وفد الرياض بالدعوة لإشعال الجبهات..؟!‏

والسؤال المطروح هل يمكن أن يستمر جنيف ثلاثة وسط هذا الجو المشحون بالتهديد والابتزاز ونذر الحرب والتصعيد إلى ما لا نهاية، أو هل ستكتفي الأمم المتحدة بالتعبير عن القلق تجاه الخروقات المهددة لمسار جنيف والحل في سورية، أم أن هناك خططاً بديلة، ولكن ليس على النمط الأميركي المراوغ؟!‏

من الواضح أن وفد الرياض لا يسعى للحل وليس مسموحا له أن يشارك في حوار سوري سوري، وقد كانت الهدنة بالنسبة إليه ولداعميه مجرد استراحة والتقاط أنفاس واستعداد للحرب بعد الهزائم التي لحقت بإرهابييه، إذ ليس هناك أي معنى لإصراره الوقح على تلبية كل مطالبه قبل بدء التفاوض، وهو يعلم استحالة أن تقدم له الدولة السورية بالسياسة ما عجز عن أخذه بالحرب والإرهاب، لأن من قدم خيرة شبابه لحماية الوطن وصون استقلاله ليس في وارد تسليم زمام الأمور لانتهازيين وتجار وعملاء وإرهابيين باعوا ضمائرهم وتاجروا بمصير شعبهم ووطنهم وراهنوا على الأعداء لتحقيق مآربهم وطموحاتهم الانتهازية..!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية