الاشتباكات والاحتجاجات التي شهدتها مدينة بنغازي مؤخراً هي أحد عناوين المرحلة المقبلة لليبيا المستقبل والتي يبدو والاقتتال والتقسيم سيكون لها القول الفصل في تحديد كثير من سمات المرحلة المقبلة والتي بانت ملامحها في نقاط عدة أهمها الدعوة لنظام فيدرالي إضافة إلى توجه بعض الأقاليم لإعلان انفصالها كإقليم برقة ناهيك عن تواصل سلطة المجموعات المسلحة ورفضها لتسليم أسلحتها وترك المناطق التي سيطرت عليها للقوات الحكومية الليبية .
فهاهي بنغازي نفسها تتقاذفها الأهواء والتوجهات والتي يطغى عليها رغبة قسم كبير من المسيطرين عليها بالحكم الذاتي حتى لوتجمهرت بعض الحشود لمعارضة هذه الفكرة ورفض الفيدرالية التي يقول مؤيدوها بانها عودة لدستور ليبيا في الخمسينات عندما كانت البلاد مقسمة إلى ثلاث مناطق تتمتع بحكم شبه ذاتي وهو الامر الذي يؤيده معظم زعماء إقليم برقة شرقي ليبيا وفي حال تم ذلك فأنه سيؤدي إلى زعزعة الحكومة المركزية وشركات النفط الأجنبية لأن معظم احتياطات ليبيا النفطية موجودة في برقة وتتخذ أكبر شركات النفط المملوكة للدولة مقرا رئيسياً لها في بنغازي.
ويسعى مؤيدو فكرة الفيدرالية والحكم الذاتي لاقليم برقة عقد مؤتمر بهذا الخصوص ودوافعهم التعبير عن حالة السخط من الاهمال الذي لاقاه الاقليم ويلاقيه من الحكام الجدد في طرابلس حيث يعكف هؤلاء على تأسيس «مجلس أعلى لبرقة» مؤلف من 300 عضو والسعي لتمثيل أكبر لبرقة في الانتخابات المقرر إجراؤها في حزيران لاختيار جمعية وطنية جديدة للبلاد. ماكشفته أوساط ليبية هو قيام قطر والولايات المتحدة الامريكية بتشجيع دعوات الانفصال حيث أكد عادل الدباشي وهو المنسق السابق لما يسمى بالمجلس الانتقالي بأن هاتين الدولتين تقفان وراء محاولة انفصال إقليم برقة وترغبان بالسير بها حتى النهاية مستفيدتان من تدهور الوضع السياسي وتفاقم الانفلات الأمني في ليبيا ووجود فراغ سياسي كبير وهو الأمر الذي فسح المجال واضحاً أمام كل محاولة مشبوهة لاتريد خيراً لليبيين ومستقبلهم لتنشر بينهم الفتنة والفوضى وتشجع الاقتتال بين أبناء الشعب الواحد خدمةً لأجندات هذه الدول وأدوارها المشبوهة في المنطقة من خلال تشجيع عملية الانفصال والحرب الأهلية والتقسيم ودعمها مادياً ولوجستياً والهدف هو الثروات النفطية وقطر هي الأداة المنفذة لهذا المشروع وعلى وقع دعوات التقسيم لاتزال المجموعات المسلحة التي شاركت في الإطاحة بنظام القذافي تسيطر على المناطق التي دخلتها حيث تقوم كل مجموعة بسن قوانينها الخاصة على سكان المنطقة وسط حالة تسليح كبيرة حيث كشفت تقارير ليبية جديدة عن وجود أحد قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ويدعى /مختار بلمختار / على الأراضي الليبية ويقوم بالتسلح وتدريب عناصره وتوسيع شبكته انطلاقاً من الأراضي الليبية إضافة إلى كشف روسيا عن وجود مراكز لتدريب المسلحين من بينهم القاعدة لإرسالهم الى سورية لتصبح بذلك ليبيا بؤرة للإرهاب وتصديره إلى الدول الأخرى .
بالإضافة إلى ذلك تتواصل انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا والحكومة المركزية لاتفعل شيئاً من أجل وقفها وقيام جماعات المعارضة المسلحة بتعذيب معتقلين كثيرين منهم من دول افريقية جنوبي الصحراء للاشتباه بأنهم قاتلوا في صفوف قوات حكومة القذافي التي أطيح بها.
وبحسب بعض الإحصائيات فانه لا زال يوجد ما يقارب من 6000 معتقل في سجون تابعة للميليشيات المسلحة في ليبيا. هذا الوضع دفع في وقت سابق رئيس مايسمى باللجنة الوطنية للمصالحة الليبية للقول بأن( أسلحة بين المواطنين الليبيين تكفي لثلاث دول افريقية) وهو الأمر الذي زاد من جماح المسلحين وتزايد الصراعات بينهم، مادفع بالشعب الليبي للاحتجاج على هذا الواقع بعد أن أهمله الحكام الجدد المشغولون في تقاسم الحصص ومناطق النفوذ والفتن الداخلية ومحاولة إرضاء عملائهم الغربيين والخليجيين بحيث أدت الاحتجاجات في مدينة بنغازي لوحدها إلى دفع ( أعضاء في المجلس الانتقالي ) للرحيل عنها والتحصن في طرابلس هرباً من أولئك الذين أملهم بالعطايا والمزايا وتحسين واقع حالهم للاشتراك في العمليات المسلحة ضد النظام السابق.
المراقبون للساحة الليبية رأوا بأن حكام ليبيا الجدد لا حول لهم ولاقوة للتصدي للظواهر المستجدة في المجتمع الليبي ومن ضمنها التقسيم والاقتتال والتسلح وهم ملزمون بدفع ضريبة كبيرة للدول التي ساعدتهم للإطاحة بنظام القذافي من ضمنها تنفيذ أجندات هذه الدول المشبوهة في دول أخرى ولذلك فأن الإبقاء على حال الاقتتال المسلح بين الليبيين مرشح للاستمرار والتصاعد ،
وهو الأمر الذي يتناغم مع أجندات الدول التي قامت بتدمير ليبيا وبناها التحتية ومن ضمنها قطر والولايات المتحدة الامريكية لأن هذه القوى لايهمها بأي حال من الأحوال ماستؤول اليه حالة الشعب الليبي بقدر ما يعنيها سرقة مقدراته ونفطه .
ولذلك فأن دعوات التقسيم سوف تتزايد في المرحلة القادمة وستشهد ليبيا المزيد من الشروخات والتأزم ولن يقتصر الأمر على إقليم برقة والأوضاع الحالية في ليبيا كانت متوقعة وهي ليست بالغريبة بل هي نتيجة منطقية لما حدث من تدخل غربي مولته أموال عربية مشبوهة الأدوار والغايات .