تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفـــل.. تســعة وثمانــون عامــاً علـــــى ولادتـــــه.. وحبـــل مشـــيمته لا يـــزال مشـــدوداً إلـــى دمشـــــق

ثقافة
الاثنين 19-3-2012
فادية مصارع

21 آذار عام 1923 وفي بيت من بيوت دمشق القديمة ولد نزار قباني، وكانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة، وكان الربيع يستعد لفتح حقائبه الخضراء يومها حملت أمه والأرض في وقت واحد.. ووضعتا في وقت واحد.

نزار وشغف الطفولة‏‏

هل كانت مصادفة أن تكون ولادته في الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها، وترمي الأشجار كل أثوابها القديمة! أم كان مكتوباً عليه أن يكون كشهر آذار شهر التغيير والتحولات؟.. سؤال كان يلح على الشاعر الكبير، فكل ما يعرفه أنه يوم ولد كانت الطبيعة تنفذ انقلابها على الشتاء وتطلب من الحقول والحشائش والأزهار والعصافير أن تؤيدها في انقلابها على روتين الأرض. هذا ما كان يجري داخل التراب، أما في خارجه فقد كانت حركة المقاومة ضد الانتداب الفرنسي تمتد من الأرياف السورية إلى المدن والأحياء الشعبية وكان حي الشاغور حيث يسكن نزار معقلاً من معاقل المقاومة، وكان زعماء الأحياء الدمشقية يمولون الحركة الوطنية ووالده توفيق قباني كان واحداً من هؤلاء الرجال، ويتابع نزار تذكر طفولته في بيته الدمشقي فيقول: لطالما جلست في باحة الدار الشرقية الفسيحة أستمع بشغف طفولي غامر إلى الزعماء السياسيين يقفون في إيوان منزلنا، ويخطبون في ألوف الناس مطالبين بمقاومة الاحتلال الفرنسي، ومحرضين الشعب على الثورة من أجل الحرية.‏‏

لم تكن مخيلته الصغيرة في تلك الأعوام من الثلاثينيات قادرة على وعي الأشياء بوضوح، لكنه حينذاك يتذكر أن أباه كان يمتهن عملاً آخر غير صناعة الحلويات كان يمتهن صناعة الحرية، كان يصنع الحلوى ويصنع الثورة، وكان نزار معجباً بتلك الازدواجية، ويدهش كيف يستطيع أن يجمع بين الحلاوة والضراوة.‏‏

البيت المظلة ومفتاح الإبداع‏‏

إذاًَ كانت دار نزار الدمشقية المفتاح إلى شعره، والمدخل الصحيح إليه وبغير الحديث عن هذه الدار تبقى الصورة غير مكتملة ومنتزعة من إطارها إذ إنه يعترف أنها المسؤولة عن نصف شاعريته يقول:‏‏

كل حروف أبجديتي مقتلعة حجراً حجراً من بيوت دمشق‏‏

وأسوار بساتينها.. وفسيفساء جوامعها.. قصائد كلها معمرة على الطراز الدمشقي‏‏

كل ألف رسمتها على الورق هي مئذنة دمشقية‏‏

كل ضمة مستديرة هي قبة من قباب الشام‏‏

كل حاء هي حمامة بيضاء في صحن المسجد الأموي‏‏

كل عين هي عين ماء.. كل شين هي شجرة مشمش مزهرة‏‏

كل سين هي سنبلة قمح.. كل ميم هي امرأة دمشقية‏‏

وهكذا تستوطن دمشق كتابتي.. وتشكل جغرافيتها جزءاً من جغرافية أدبي..‏‏

لا يمكن الفصل أبداً بين الحبر الذي أكتب وبين أنهار دمشق السبعة‏‏

لا يمكن الفصل بين صوتي وأصوات المؤذنين الذين يؤذنون لصلاة الفجر في أحياء الميدان والقيمرية وسوق ساروجة والصالحية‏‏

قارورة العطر الدمشقية‏‏

سافر نزار إلى غير مدينة بالعالم لكنه ظل ذاك الطفل الذي يحمل في حقيبته كل ما في أحواض دمشق من نعناع وفل وورد بلدي إلى كل فنادق العالم التي دخلها حمل معه دمشق ونام معها على سرير واحد.‏‏

فما من مرة ذهب إلى غرناطة ونزل في فندق الحمراء إلا ونامت دمشق على مخدته الأندلسية، روائح الياسمين الدمشقي وعبير الأضاليا والنارنج والورد الدمشقي، كانت تشاركه في غرفته بالفندق، كيف لا وهو الذي كان يسكن في قارورة عطر، والذين سكنوا دمشق وتغلغلوا في حاراتها وزواريبها الضيقة يعرفون كيف تفتح لهم الجنة ذراعيها من حيث لا ينتظرون.‏‏

هدية العمر‏‏

بعد الأزمة القلبية التي ألمّت بنزار وخلال فترة النقاهة كان أكثر ما تأثر به بعد تعافيه البشرى التي تلقاها من دمشق بقرار حضاري من الرئيس الراحل (حافظ الأسد) بإطلاق اسمه على أحد الشوارع العريقة في (أبو رمانة) ويورد صديقه عرفان نظام الدين أنه من رحم هذه الانفعالات والتأثر بهذه الخطوة الحضارية جادت القريحة به لتولد مقالة شعرية بعنوان «دمشق تهديني شارعاً» نشرت في صحيفة الحياة بتاريخ 27/3/1998 وفيها يقول:‏‏

«وأخيراً شرفتني مدينة دمشق بوضع اسمي على شارع من أكثر شوارعها جمالاً ونضارة وخضرة.. هذا الشارع الذي أهدته دمشق إلي، هو هدية العمر وهو أجمل بيت أمتلكه على تراب الجنة..».‏‏

«تذكروا أنه كان أبي.. وأمي.. ووطني.. وقصائدي التي طارت كحمام الشام من المحيط إلى الخليج.. الرسم الجميل يرسمه رسامون دمشقيون والورد الدمشقي، يزرعه مزارعون دمشقيون... والقومية العربية.. تصنعها السيوف الدمشقية».‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية