تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ترصيـعٌ بالذهـبِ.. على سـيفٍ دمشـقي

ثقافة
الاثنين 19-3-2012
هفاف ميهوب

لأنَّ الشاعر «نزار قباني» جزءٌ من تاريخ دمشق, أبى إلا أن تسكنهُ عشقاً سرى شذاه تحت جلده. الشذى الذي تعمَّد به ذات ربيعٍ اشرأبَّ فيه الاخضرار لاستقباله,

وإلى أن أطلق صرخته الشعرية معلناً بأن على الشِّعر أن يزيد من مساحةِ الاخضرار في العالم, مثلما أن يجعل الشاعر يعانق أعلى قمَّة عشقية..‏

يا دمشقُ التي تفشَّى شذاها‏

تحتَ جلدي كأنَّهُ الزيزفونُ‏

قادمٌ من مدائنِ الريحِ وحدي‏

فاحتضنِّي كالطفلِ يا قاسيونُ‏

احتضنِّي خمسين ألفاً وألفاً‏

فمعَ الضمِّ لا يجوزُ السكونُ‏

إنها أبياتٌ من قصيدةٍ كتبها بعد عامٍ واحد من انتصارِ الجيش العربي السوري في حرب تشرين التحريرية, والتي كانت مفرداتها أشبه بـ «ترصيع الذهب على سيفٍ دمشقي». سيف المجد الذي رسمَ ملامح دمشق, وكمدينةٍ من شدَّةٍ ما توضَّأت بالنصرِ أزهرتْ فتألَّقتْ ومزَّقتْ خارطة الذل, لتأمر الدهر بعدها بأن يعلنها الوطن السحر.‏

جاء تشرينُ إنَّ وجهكِ أحلى‏

بكثيرٍ.. ما سِرُّهُ تشرينُ‏

كيفَ صارتْ سنابلُ القمحِ أعلى‏

كيفَ صارتْ عيناكِ بيت السنونو‏

يا دمشقُ البسي دموعي سِواراً‏

وتمنّي فكلُّ صعبٍ يهونُ‏

مزِّقي يا دمشقُ خارطةَ الذلِّ‏

وقولي للدهرِ كنْ فيكونُ‏

إذاً, ومن شدَّةِ هيام «نزار قباني» بدمشق, أبى إلا أن يُرصِّع جبينها بذهبِ مفرداته, ودون أن يكتفي لطالما سكنتهُ حنيناً لم يفارق غربته, ومُذ غادر بيته الدمشقي بياسمينه وريحانه وحمائمه وسيمفونية الماء في باحته. البيت الذي اعتبرهُ متحفاً لملمَ كل ما فيهِ من دُررِ لينثرها بعدها على كلِّ ما في دمشق. وطن الشعر وعشقه المعتَّق في قصيدة:‏

هلْ دمشقُ كما يقولونَ كانتْ‏

حينَ في الليلِ فكَّر الياسمينُ؟.‏

يا دمشقُ التي تقمّصتُ فيها‏

هل أنا السَّروُ أم أنا الشربينُ‏

أم أنا الفلُّ في أباريقِ أمّي‏

أم أنا العشبُ والسحابُ الهتونُ‏

أهي مجنونةٌ بشوقي إليها‏

هذهِ الشامُ أم أنا المجنونُ؟‏

في هذه القصيدة, يشمخ «نزار قباني» على قلمه فتشمخ دمشق على القلم. دمشق التي جنَّ بها حدَّ وقوعهِ أسير عشقها, بل أسير التوق إلى ذكرياته معها, وبما ألهمه أن يحاكيها بعناقٍ دافئ البوح وقادر على قلبٍ الدهرِ بسطوةِ سطوعها الشعري..‏

شامُ يا شامُ يا أميرةَ حبّي‏

كيف ينسى غرامهُ المجنونُ؟‏

أوقدي النارَ فالحديثُ طويلٌ‏

وطويلٌ لمن نحبُّ الحنينُ‏

كتبَ اللهُ أن تكوني دمشقَ‏

بكِ يبدأ وينتهي التكوينُ‏

هذه هي دمشقُ الوطن, وما أدراك ما الوطن في ضمير القصيدة, بل ما دمشق, في ضمير الشاعر «نزار قباني».. إنها الهواء الذي أعانهُ على زفيرِ شعرٍ كان بحجمِ عشقه لها.. إنها شراشفُ الدفءِ ناصعة الأمومة وعبق الطفولة وأحلامها.. إنها الحب الذي عربش على قامته مثلما قافيته, ليضمه ومن ثمَّ يهمس بعدها:‏

كم قُتلنا في عشقنا وبُعثنا‏

بعدَ موتٍ وما علينا يمينُ‏

يا سريري ويا شراشفَ أمّي‏

يا عصافير, يا شذا, يا غصونُ‏

يا زواريب حارتي خبِّئيني‏

بين جفنيكِ فا لزمان حنينُ‏

هل دمشق كما يقولون كانت‏

حين في الليلِ فكَّر الياسمينُ؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية