صور تتجلى من خلال التطوع ...هذا المفهوم الواسع الذي استقطب شبابا من كافة الأعمار و الشرائح الاجتماعية رغبة بتعزيز إنسانيتهم والترفع عن أي انتماء ليبقى المفهوم الأمثل أنني إنسان و أرغب بأن أكون إلى جانب أخي الإنسان.
فكيف إذا امتزجت هذه الجرعة الكبيرة من الإنسانية بالمشاعر الوطنية لتتجسد بمشاهد عديدة من الفعاليات و الأنشطة التي خطتها أنامل الشباب بروح عالية من المبادرة و الإحساس بالآخر و الأهم ..عشقهم لهذا الوطن.
هذا ما تجسد على أرض الواقع في الشهور الماضية بمبادرات من شبابنا يدفعنا إلى التساؤل هل التطوع أصبح ثقافة موجودة لديهم أم مجرد مبادرات هنا و هناك؟وكيف لنا أن نرسخها عندهم؟
توجيهاً لطاقاتهم!!
أفكار..ورغبات..ودوافع كثيرة تعتريهم في مرحلة ما لذلك يبحثون عن طرق ليفرغوا من خلالها طاقاتهم, ومنظمة الهلال الأحمر إحدى المنظمات الإنسانية التطوعية التي تحاول أن تؤطر هذه الطاقات بشيء مفيد, وهو ما أكده خالد عرقسوسي الأمين العام لمنظمة الهلال الأحمر فرع دمشق حيث قال لملحق شباب:
نحاول أن نزرع بداخلهم الرغبة في مساعدة الآخر و الإحساس به من خلال أنشطة إنسانية و هذا الشيء يجعلهم يشعرون بأن الرضى النفسي الذي منحهم إياه هذا النشاط هو ما يدفعهم إلى الاستمرار بالعطاء الإنساني من خلال المنظمة.
ومن المعروف بأن الشباب في هذه المرحلة العمرية قد تجذبهم المقاهي و الاركيلة وجمعات الأصدقاء أكثر من أي شيء أخر فكيف يتم جذب هذه الشريحة لفكرة التطوع وتخصيص ذلك الوقت لعمل إنساني ما ,وهنا أشار عرقسوسي إلى أن استقطاب جيل الشباب يكون عن طريق نشاطاتنا في الأماكن العامة كأن نقيم مناورات عامة للإسعاف الأولي أو ما شابه ,عندها يبدأ الشباب المتواجدون أو المارون بالتساؤل عن النشاط الذي نقوم به فتجذبهم الفكرة و ينضمون فيما بعد إلينا.
وأضاف:وهناك عدة قطاعات يمكن أن ينتسب إليها الشباب في العمل التطوعي داخل منظمة الهلال الأحمر وهي قطاع الإسعاف..والكوارث..و القطاع الاجتماعي الذي يشمل دور الأيتام و العجزة....
فالشاب أو الفتاة عندما يتوجهون لزيارة هذه الأماكن و تقديم المساعدة لهؤلاء الناس يشعرون أن مشكلاتهم في الحياة صغيرة جدا مقارنة بما يرونه من دروس حقيقية في الحياة.
فإن رسم ابتسامة على وجوه أطفال أيتام من خلال اللعب معهم مثلا يجعل يومهم لا ينسى لهؤلاء الأطفال كما أنه يمنح الشباب شعوراً بقيمة إنسانية و فاعلة له و هو ما يدفعهم للاستمرار في التطوع.
حب الوطن...
رسخها كثقافة!!
فيما مضى كان التطوع بادرة إنسانية تجذب فئة لا بأس بها من الشباب لخوض غمار العمل الإنساني بطريقة خدمية أي تقديم مساعدات أو دعم معنوي للفئات المحتاجة في المجتمع.
لكن الأزمة التي مررنا بها أيقظت روح المبادرة عند الشباب و الرغبة الكبيرة بعدم الاكتفاء بالمشاهدة بل التواجد الفعال في كلا العالمين الافتراضي من خلال شباب جسدوا عشقهم للوطن بنسج صفحات كانت ورقة البداية لفعاليات وطنية عديدة ...ومنها إلى أرض الواقع التي شهدت أنشطة إنسانية و تطوعية ووطنية تجسدت بظهور عدد من الفرق الشبابية التطوعية والتي بدأت بمجموعة من الأصدقاء لتضم فيما بعد مئات الشباب المتطوعين و (فريق دمشق التطوعي) إحدى هذه الفرق التي لها وقع خاص ليس فقط في العالم الافتراضي بمواقعه الاجتماعية بل أيضا عبر فعاليات وأنشطة عديدة,لتثبت أن الشباب السوري لديه طموح بأن يقدم شيئا ما حسب تعبير فادي صالح المسؤول الإعلامي للفريق الذي أكمل قوله:
لكننا لا نستطيع أن نقوم بهذا الشيء إلا إذا وجدت أرض خصبة لكي نبدأ وهو ما تحقق من خلال التطوع.
وأضاف أن الفريق احتضننا كمتطوعين وهو دفعنا للمساهمة و العمل النابعين من اندفاع داخلي و حب للوطن والرغبة بعدم الجلوس جانبا بل السعي لتقديم شيء مفيد لبلدنا.
كيف نرسخها كثقافة؟؟
العمل التطوعي ليس مجرد مبادرة إنسانية عابرة بل هو سبيل لتعزيز حس المواطنة عند الشباب بدءا من المحافظة على الممتلكات العامة ككبائن الهاتف أو وسائط النقل العامة بحسب ما يراه الأستاذ خالد عرقسوسي بقوله:
عندما ننمي حس المواطنة لديهم يأتي هنا دور المجتمع عبر منظمات المجتمع المدني و منها الهلال الأحمر بنشر مفهوم التطوع و أهميته و تعزيزه في حياتهم ليأتي بعدها الدور الأكبر للمؤسسات التعليمية.
وأضاف:أن ثقافة التطوع لا تزال مفقودة عند الشباب أو أنها بحاجة إلى تشجيع لعدم وجود دراية كافية بقيمة العمل التطوعي ,لذلك نجد انه في الدول المتقدمة في هذا المجال قد أدرجت حيزا للطلاب بما يسمى العمل المجتمعي وهو عبارة عن ساعات خدمة اجتماعية لجهات إنسانية محددة بحيث يتم إدراجها ضمن وثيقة التخرج,وهو ما نسعى إلى تحقيقه من خلال التعاون مع وزارة التعليم العالي والتي قد تكون الخطوة الأولى لتعريف الشباب على ماهية العمل التطوعي ودفعه بهذا الاتجاه.
وأشار إلى أن الكثير من الشباب المتطوعين تم انضمامهم إلينا بالمصادفة عند رؤيتهم لنشاط معين سواء التبرع أو غيره وبعضهم سخر من الفكرة للوهلة الأولى لكن عند خوضهم تجربة إنسانية شعر هؤلاء بقيمة التطوع وغيروا نظرتهم ليس فقط بالعمل التطوعي بل بأنفسهم أيضا.
في حين رأى فادي صالح أن ثقافة التطوع ليست مفقودة بل موجودة في أوساط الشباب وخاصة الطلاب الذين يقومون بأنشطة تطوعية دون أي هدف تجاري أو ربحي بل الهدف الأول إنساني.
وأضاف:وأؤكد على فكرة الأستاذ خالد بإدخال التطوع في المجال الأكاديمي ليصبح شيئاً يعطى إلى جانب المواد الدراسية ,ونشرها أيضا من خلال ندوات تقوم بها فرق أو منظمات في المراكز الثقافية أو الأماكن العامة تتحدث عن التطوع.
ما الذي تحتاجه ..لتصبح متطوعاً!!
فالعمل التطوعي قد ينشأ من الشعلة الداخلية الأولى ألا وهي الحماسة لتقديم خدمة ما لكن في المقابل لابد ان تكون هناك خطوات ليصبح الشاب متطوعاً مهيأ لأي نشاط إنساني وعن ذلك يحدثنا السيد عرقسوسي :
بداية نقوم بإجراء مقابلة ليأخذ الشباب فكرة عن ماهية التطوع وعمل منظمة الهلال الأحمر في هذا المجال,وثم يمنح مدونة سلوك و الخدمة التطوعية بحيث يقرأها و يوقع عليها لتحقيق الالتزام بالعمل التطوعي.
ومن ثم يخوض مرحلة التأهيل التي تبدأ بدورة الإسعاف الأولي وبعدها تطرح أمامه خيارات عدة في مجال التطوع منها اللجنة الاجتماعية ويحصل من خلالها على تدريب خاص بمعاملة المسنين و الأيتام أو أن يكمل دورة الإسعاف الأولي و يصبح مسعفا أو يتجه إلى منهاج الكوارث وهنا يكون التدريب بشكل موسع لأنه متشعب حيث يمكن من خلاله أن يحصل على تدريب في الإغاثة..و البحث و الإنقاذ.. والبحث عن مفقودين.
أو إذا كان الشاب يمتلك مهارة معينة كالإعلام مثلا يمكن أن ينضم إلى اللجنة الإعلامية أو إذا كان في مجال القانون ينضم إلى لجنة القانون الدولي الإنساني الذي يتضمن نشر القانون الدولي و متابعة خروقات مخالفة استخدام شارة الهلال الأحمر وبذلك يكون مهيأ كمتطوع لأي حالة إنسانية .
التطوع عالم واسع بحد ذاته يعزز شعورنا بالآخر فلابد أن تكون ثقافتنا كجيل فاعل,فبالتطوع تسمو إنسانيتنا.