والاعمال المعروضة تتركز حول موضوعات الزهور والمراكب وعناصر الطبيعة والمرأة والخيول والعمارة القديمة، ضمن صياغة فنية عفوية لاتتقيد بالتفاصيل، ولابصورية الشكل ولابمشهديته التقليدية الخارجية.
عصام ابو جمرة وفي هذا المعرض يصل عصام ابو جمرة إلى جوهر التعبير عن الأحاسيس والانفعالات الداخلية الذاتية، حيث يجنح هذه المرة نحو المزيد من الحرية في تجسيد روح الاشكال ولاسيما الزهور والمراكب، وبالتالي فهو يعمل لإخفاء مظاهر الاشكال الخارجية، والإبقاء على جوهرها وعناصرها الحية.
وهذه الطروحات التشكيلية المتطرفة في انفعاليتها وحركتها التلقائية وإطارها الجمالي، تبرز قدرة العمل التعبيري في احيان كثيرة على ملامسة ضفاف الصياغة التجريدية، ما يؤدي الى تحويل المساحة اللونية إلى فسحة للحوار الذاتي وللتأملات الجمالية القادرة على إثارة التساؤلات والوصول إلى علاقة حقيقية مع الاختبار التقني المختمر بعد عمر من التعامل مع المادة اللونية الزيتية.
وعصام أبو جمرة يصل في أعماله الاخيرة إلى صياغة فنية تعبيرية، مبسطة ومختزلة، تطل من خلالها إشارات المراكب والزهور وغيرها، وهو يستعرض تلك العلاقة الحميمية، بين حضور إشارات الشكل وغيابه وبين اللون والوهج، والسكون والحركة، ضمن هاجس إبراز التضاد أحيانا بين الظلمة والنور، بينما تظهر لمساته اللونية المتحررة، وكأنها مشروع للتعبير عن موسيقا اللون في ديمومته الإيقاعية والغنائية. والمعرض يؤكد علاقته الوثيقة بالثقافة البصرية الحديثة، التي جعلته يشق طريقاً نحو ملامح التجريد اللوني، الذي جاء بشكل عفوي بعد سلسلة تجاربه المتواصلة، التي زادت قناعته بضرورة الاتجاه بشكل تدريجي نحو ملامح التجريد التعبيري الذي لايغيب عنه الشكل.
فالصياغة التعبيرية التي تقترب من حدود التجريد هنا، هو إحساس بالقدرة على بناء أجواء اللوحة بضربات وحركات لونية متتابعة ومتجاورة (عجائن لونية سريعة ومتحركة وموضوعة فوق بعضها البعض) ومشحونة بعنف التوتر الداخلي الانفعالي الحركي.
هكذا يذهب إلى التلاعب بالعجينة اللونية، ويظهر حالات التحكم في مساحة اللوحة، وفي حركات صياغة مفرداتها وعناصرها وتكويناتها التشكيلية الحديثة. ورغم إغراق لوحاته بالتجريد اللوني الغنائي، يستطيع المشاهد أن يرى اشارات الاشكال والعناصر أو مشهداً لموضوع مختصر، بأقل إشاراته لدرجة محو كل العناصر غير المفيدة، وهذا ما يمنح عمله صفة المختصر المفيد.
ورغم أنه يقدم عجائن لونية خطرة وجريئة في مجمل لوحاته، إلا أنه ينحو في تكوينها من مطب الصياغة الفنية السهلة والعبثية، حيث يمكننا الانتباه إلى إيحاءات كثيرة بقدرته على التلاعب بعجائن اللون وابراز حساسياتها المختلفة والمتنوعة، وتظهر هذه القدرة في اظهار السماكات والتضاريس اللونية، التي توحي بحركة دائبة وبانفجار بركاني في مساحة اللوحة. وهكذا يغيب التجسيد الواقعي والنعومة الكلاسيكية، التي سبق ومارسها في مراحل سابقة، ويحافظ فقط على إشارات العناصر والاشكال، التي تدل عليها حركات وضربات ولمسات وتشطيبات جريئة، تحفر احيانا طبقات اللون الغني والطري بعنف وانفعال بارزين.
ولهذا يمكن القول أنه يرسم دراما تفجيرات الاحتفالات المترسخة في الأحاسيس، والتي غالباً ما تظهر على سطح اللوحة عبر توترات اللمسات اللونية الصارخة والمتفجرة، كما لو أنها انفجارات لبراكين ناشطة لا تنتهي.
فهو يقطف الإيقاع اللوني الانفعالي العاصف، الذي يحمل انفجارات الداخل المشبع بالصدمات والتوتر والقلق والاحتقان. وتظهر الى جانب قدرته على التأليف وتوزيع الكتل اللونية الغنائية ووضعها بطريقة فنية حديثة وإبراز سماكتها وسطوحها الناتئة وتظهر إلى جانب قدرته في معالجة عجائن اللون، قدرة أخرى في معالجة الخطوط اللونية المتقطعة، التي تكتسب أهميتها من خلال تقنية وضعها على سطح اللوحة بعفوية مطلقة تتوافق مع طريقة تركيب الطبقات اللونية في فراغ السطح التشكيلي.
وتجسد التشكيلية الشابة وعد زينية في لوحاتها المعروضة في خطوة اطلالتها الاولى، المواضيع المختلفة (الزهور والمناظر البحرية والطبيعة ومشهد الغابة والعناصر الانسانية والصامتة والخيول..) بصياغة فنية تعبيرية فيها قدر من العفوية والتلقائية اللونية، مع تركيزها لإظهار الكثافة اللونية في اكثرية لوحاتها، رغم قصر عمر تجربتها في اختباراتها الخطية واللونية، ولوحاتها بهذا المعنى، تقع في المساحة التعبيرية المتدرجة بين حالات الرسم الاكاديمي، الذي يرتكز على تجسيد الاشكال الصامتة، وبين احتمالات منح الاشكال المرسومة حرية في البحث التشكيلي والتقني، على صعيدي تحريك اللون وصياغة الخطوط، الشيء الذي يؤسس لإنطلاقتها في رحاب العفوية والشاعرية والتلقائية اللونية.
وهكذا تتفاوت لوحاتها من ناحية المعالجة اللونية بين الكثافة والشفافية، وهذا امر طبيعي بالنسبة لتشكيلية شابة، لاتزال في بداية تعاملها مع خطوط الرسم والمادة اللونية الزيتية، وهي في ذلك توزع لمساتها اللونية الشفافة في بعض لوحاتها او في مقاطع منها، وتصل في لوحات اخرى إلى اضفاء المزيد من اللمسات العفوية والكثافات اللونية الاكثر حداثة واقتراباً من اجواء تقنيات فنون العصر، عن طريق تسميك العجينة اللونية التي تجعل منها مادة ذات أبعاد جمالية وتعبيرية تنقل الاحاسيس الداخلية المباشرة، ولا تعمل على تقليد الشكل الخارجي أو التماهي مع المشهدية الصالونية التجارية.
فألوان بعض العناصر المرسومة تبرز بانفعال، وبمعالجة تهتم بمسألة اظهار طبقات اللون، مع أن سطوح لوحاتها لا تستقر على هذه الطريقة. وهكذا نجد تحولاً من طريقة التركيز لإظهار التقشف اللوني، الى طريقة الرسم الحديث الذي يتحول أحياناً،إلى صياغة تشكيلية لها علاقة بالفن الأكاديمي والتعبيري الاختزالي، وهنا يصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون العفوي والتلقائي والانفعالي.
facebook.com/adib.makhzoum