في دمشق وهي المدينة الرمز لكلّ ما هو سوري تتربع الزهور والنباتات البيتية على عرش ذاكرتها لبيوتها وعائلاتها وقد أخذت مكانتها في القلب والعين قبل أن تفترش أنحاء بيوتها وتعربش بشقاوة على حيطانها.
ودمشق رغم كل الحروب والمحن التي مزقت جسدها العريق إلا أنها لم تغير فيها شيئاً من عراقتها وعشق أهلها للورد والنباتات. إنما زادتهم حباً وحنيناً للماضي لكل تفاصيل الحياة في بيوتها بدءاً من المشرقة والبحرة وليس انتهاءً بأشجار الكباد والنارنج وأحواض الزريعة للكباد والنارنج . وهو إرثهم الجميل الذي يفتخرون به أمام العالم ويقدمونه له بكلّ طيبة خاطر ليأخذوا منه ويتمتعوا بجماله عبر معرضها السنوي المحلي والدولي وقد خطّ عامه الأربعين.
في معرض الزهور الذي اختتم فعالياته أول أمس وعلى امتداد مساحة حديقة تشرين , أكبر حدائق دمشق وأشهرها ومن بين أجنحته التي تجاوزت السبعين جناحاً بين محلي ودولي كان سؤالي الموجه للجميع ماذا يوجد في بيتك من النباتات الدمشقية المعروفة ؟. أين الفل والهوا الناعم وفم السمكة والخبيزة والشمعة وآه يا أنا بلونهاالأصفروالختمية والبغونيا والدادا والشب الظريف.
الزهور.. حاضرة وبقوة
- المهندسة الزراعية سحر البيك المشرفة على جناح ومشتل القدة للنباتات المنزلية تتفق مع الآراء التي تشير إلى إقبال الناس على اقتناء النباتات قد قلّ في السنوات الماضية ككل الأشياء الجمالية التي لا يتطلع إليها الناس في وقت الأزمات والظروف المعيشية الصعبة ,ولكن النباتات الدمشقية العريقة موجودة وبقوة في معظم المشاتل المحلية ,لأنها رأس مال كل المشاتل في المعارض الدولية ,فهي رمز السلام والمحبة وعنوان الرسالة الحضارية السورية, وأضافت أنه وقياساً بالأعوام السابقة ومع استقرار الأوضاع في معظم البلدات والمدن قد تغير مؤشر الشراء نحو الأعلى وبدأ الناس يميلون من الفرجة والاطلاع إلى الاقتناء وتربية النباتات ولا سيما الشامية منها .وأضافت أن المنحى العمراني للبيوت في الوقت الراهن لم تعد تسمح بتربية الأشجار الدمشقية المعروفة بينما نستطيع استثمار الشرفات المعروفة بينما نستطيع استثمار الشرفات والأسطح وأدراج الأبنية والمساحات المتاحة في البيت والمكتب لتزيينها بنباتات تناسب هذه الأمكنة وتعيد الحيوية لحياتنا.
- المزارع عيد زين صاحب مشتل يلقي باللوم على أمهات وبنات هذه الأيام التي استسهلت الحياة وتحول اهتمامهن من العناية بالبيت ونباتاته إلى الجوالات والفيس والأشياء التي لا قيمة لها بنظره ففي الماضي كانت أرض الديار مليئة (بشقف وتنكات) الزريعة وكانت السيدة تعتني بالنباتات عنايتها بأولادها لهذا كانت البيوت جنة يغمرها الإنس والجمال الراحة ويستطيع الشخص الشم من مسافات بعيدة رائحة الزنبق وعطر الليل والكولونيا وهي نباتات تزين كل بيت دمشقي. وتحسّر على أيام زمان حين كانت والدته تستيقظ فجراً لتشطف أرض الديار وتحادث النباتات وهي ترشها, فيفوح عطرها في كل الأرجاء حاملة معها النقاء والسكينة لأيام كلّ ما فيها له روح .
أين ذهبت نباتاتنا الشامية
وجدت فسحة صغيرة على مقعد في حديقة المعرض لأريح قدمي قليلاًبعد جولة طويلة بين الأجنحة أقل ما توصف أنها رحلة انعتاق الروح المتعبة في كرنفال الطبيعة وجنون ألوانها وبجانبي سيدة خط الزمن على محياها أحداثه وتاريخه, وقد وضعت يدها على موضع الوجع فينا حين أخبرتني أن طبيعة الحياة السريعة التي تحكمنا ,ولهثنا وراء لقمة العيش وضيق البيوت والتهجير من البيوت ابتلينا به, وغياب الفرح وهو لوحده قد قصم ظهر الناس, ولاننسى أن بنات هذه الأيام آخر همهن هذه الأمور فما عاد الاهتمام بالزريعة مثل أيام زمان و كل ذلك كان وراء غياب نباتاتنا التقليدية من بيوتنا.
تفاصيل من دون ذاكرة
- دانية صبية في العشرين من عمرها ضحكت بقوة وأنه ليس لديها أي مانع أن تعتني بالنباتات التي لا تعرفها لا توجد في منزلها أصلاً لو أن والدتها تهديها مجموعة من هذه النباتات مرفقة بجوال حديث , ولما لا والسلفي سيكون أجمل وأكثر واقعية
عكست أسماء الزريعة الدمشقية جوانب من الحياة الاجتماعية فأطلقت عليها تسميات تعبر عن تلك المشاعر بأسلوب مباشر أو بالتورية والتبطين فهناك لسان الحماية والضراير وسوالف العروس وعرف الديك وكم كان يحلو تناول فنجان القهوة تحت الياسمين العراتلي والمجنونة بألوانها الصاخبة.