فقد تزايدت النداءات المطالبة بوضع حدّ لسياسة الاحتجاز التي يعاني منها المهاجرون في ليبيا المدعومة أوروبياً، بعد المجزرة التي راح ضحيتها 53 شخصاً وسقوط 130 جريحاً في غارة جوية على المركز المذكور.
وحسب منظمة «أطباء بلا حدود «، هذه هي المرة الثانية التي يتعرّض فيها مركز «تاجوراء» الواقع شرق العاصمة الليبية طرابلس لهجوم جوي، وذكرت المنظمة الدولية لشؤون المهاجرين أن الهجوم وقع والمركز يغصّ بأكثر من 250 مهاجراً جلّهم من النساء والأطفال .
وفي حين نسبت الغارة إلى القوات الموالية لـ (خليفة حفتر) المدعوم من فرنسا والإمارات ومصر خلال محاولته السيطرة على مدينة طرابلس، وفي الحقيقة، فإن كثيراً من الضحايا الذين سقطوا في الحرب الأهلية الدائرة وجّهت أصابع الاتهام فيها مباشرة إلى الاتحاد الأوروبي.
الاتحاد الأوروبي، ولاسيما فرنسا وإيطاليا تمولان حرس السواحل الليبي لمنع اللاجئين والمهاجرين من عبور البحر المتوسط والوصول إلى أوروبا، وقد طلبت (هيومن رايتس ووتش) من فرنسا وقف تسليم ستة سفن إلى حرس السواحل، والسماح لعمليات الإنقاذ ونقل المهاجرين إلى مرافئ آمنة.
كما صرّح (سام تيرنر) مسؤول العمليات في (أطباء بلا حدود) العاملة في ليبيا، قائلاً:»خلال النزاع المحتدم منذ ثلاثة أشهر في طرابلس، رأينا آلاف الأشخاص جرى اعتراضهم في الحرّ وإرسالهم إلى مراكز الاحتجاز» .
وقال «تيرنر» أنه وخلال زيارة إلى مركز (تاجوراء) بعد الغارة الجوية السابقة في أيار الماضي، شاهد شظايا القنابل التي اخترقت سقف القسم لإيواء النساء، وأن إحداها سقطت على بعد متر واحد من مكان كان ينام فيه أحد الأطفال، متهماً الساسة الأوروبيين بـ «التواطؤ»، وأضاف:»إنهم يعتقدون أن ذلك من شأنه ردع اللاجئين والمهاجرين عن محاولة العبور إلى أوروبا».
هذا المنطق هو شبيه بمنطق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي غرّد على موقعه في «تويتر» في أثناء المظاهرات التي خرجت للتنديد باحتجاز أطفال المهاجرين غير الشرعيين، وفصلهم عن ذويهم، والمضايقات والملاحقات والممارسات اللا إنسانية التي تتم في مراكز الاحتجاز الأميركية بالقول: «إذا كان المهاجرون لا يريدون أن يتعرّضوا لمثل هذه المضايقات، فإن عليهم ألّا يحاولوا الدخول إلى الولايات المتحدة»، وقال مسؤول أميركي:»كل المشكلات سوف تحلّ!».
الاتحاد الأوروبي يقيم معسكرات جديدة
بعد مجزرة تاجوراء، دعا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمنظمة الدولية لشؤون المهاجرين إلى»وضع حدّ فوري لاحتجاز المهاجرين واللاجئين» في ليبيا.
المفوّض الأعلى في مجلس حقوق الإنسان «ميشيل باشيليه» استجاب للنداء، وقال:»طالبت مرات بإغلاق مراكز الاحتجاز تلك، وقد قام المكلف من قبل الأمم المتحدة بتوثيق حالات خطيرة كالتعذيب وسوء المعاملة والأعمال الشاقة وسوء التغذية الحاد، وهي من جملة انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وأضاف:»كما كرّرت مطالبتي بإطلاق فوري وسريع لسراح المهاجرين واللاجئين المحتجزين وتأمين حماية إنسانية لهم في مراكز جماعية أو أماكن أكثر أمناً بعيداً عن مناطق النزاعات والحروب».
وأعلن (فيليبو غراندي)رئيس مكتب اللاجئين التابع للأمم المتحدة أن ثمة دروس ثلاث مستفادة من مقتل هؤلاء اللاجئين، وقد غرّد على موقعه في «تويتر» قائلاً:»لا يجب احتجازهم، ويجب ألّا يكونوا هدفاً، وليبيا ليست مكاناً آمناً لإرسالهم إليها».
وفي السياق ندد الاتحاد الأوروبي بالهجوم الذي تعرّض له مركز «تاجوراء»، لكنه بالمقابل أبدى امتعاضاً حيال النداءات المطالبة بوضع حدّ نهائي لقضية إرسال المهاجرين إلى ليبيا.
من جانبها، أشارت المفوضية الأوروبية في بروكسيل إلى أن أكثر من 45 ألف مهاجر سمح لهم بالعودة إلى بلدانهم الأصلية، وقد أجلي آخرون إلى مركز في النيجر في إطار إعادة توطين مستقبلية.
..ويغذي نار الحرب
«كوريت ديبيف» الذي يتابع في صحيفة «الأوبزرفر» السياسات الأوروبية إزاء ليبيا أكد أن المعضلة الأكبر ليست في إرسال المهاجرين إلى الموت، بل في تغذية نار الحرب.
ففي حين تشير بروكسل إلى دعم حكومة طرابلس من قبل الأمم المتحدة، تظهر العواصم الأوروبية عملياً انقساماً فيما بينها.
يقول «ديبيف»:»يقولون دائماً أنهم يدعمون خطوات الأمم المتحدة في هذا المجال، لكن في الوقت ذاته تتنازع ايطاليا وفرنسا على السلطة، ليس السلطة السياسية فحسب، بل هناك صراع على النفط والغاز، وفي حين تدعم فرنسا خليفة حفتر سياسياً وعسكرياً، تدعم إيطاليا (رئيس الوزراء في طرابلس) فايز السراج...إنها حلبة صراع حقيقية.
حفتر و»جيشه الوطني» - مجرد ميليشيات- أطلقوا محاولة للسيطرة على طرابلس، حيث رئيس الوزراء السراج يقود حكومة الوفاق الوطني بالوكالة، ما أدّى إلى نزوح الآلاف ومقتل المئات، ومع الهجوم على مركز استقبال المهاجرين في «تاجوراء» يكون هو المسؤول الرئيسي عن أغلبية الخسائر في أرواح المدنيين.
وصرّح «ديبيف»: «المعضلة الأكبر في توقيف هؤلاء الناس وإرسالهم إلى ليبيا هو أنها ليست مكاناً آمناً، فهناك حرب مستعرة واضطراب وفوضى، وسوء معاملة إنسانية، وما يفعله الاتحاد الأوروبي هو إرسالهم إلى الجحيم».
وأكد أن على أوروبا وضع حدّ لصراعها على السلطة والنفوذ في ليبيا، واعتماد سياسة متوازنة تجاه المهاجرين، وصرّح لصحيفة «آسيا تايمز» بالقول:»أتفهم أنه بعد عام 2015 ووصول مليون ونصف المليون من المهاجرين إلى أوروبا، ما أدى إلى حالة من الارتباك السياسي، لكن حتى اللحظة، لم يفعلوا سوى إقامة جدار كبير بدلاً من اعتماد سياسة ثابتة، أو الأصح ليس هناك سياسة بالأساس».
وإذا كان حرس السواحل الليبي قد اعترض سبيل هؤلاء المهاجرين في عرض البحر، فإن الاتحاد الأوروبي لم يواجه المشكلة ولم يحسم الجدل القائم حول طلبات لجوء هؤلاء، وهذا هو السبب الرئيس الذي دفع بالأوروبيين لدعم حرس السواحل الليبي.