تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جداريات

ملحق ثقافي
26/1/2010
د.عبد الأمير الأعسم

لا ندري إلى اليوم كيف يمكن التمييز بين ما يكتب عن «العقلانية» في التراث وما يكتب عن «العقلانية» في الفكر العربي المعاصر؛

على الرغم من ظهور محاولات جادة لبعض الباحثين العرب، لكنها لا تخلو من تفاؤل أو تشاؤم بحسب موارد النصوص وتفكيكها، على نحو لا يظهر لدينا النتائج المعكوسة المرتجاة من معالجة هذا النوع الصعب تركيباً ثم تفكيكاً، من دون الاعتماد على منطق التحليل والتركيب من ناحية عقلية، كما هو مشهور لدى الفلاسفة بحق.‏

ومن ذلك محاولة الألوسي في الدراسة التي قصد منها قراءة «العقلانية» وفق إشكاليتها كما هي في الواقع الفكري العربي.‏

وفي الاتجاه الآخر نلاحظ التخصيص في ما قدمه العقل العربي في كل اتجاهاته التي تظهر محكومة بين الأصالة والمعاصرة من الناحية النهضوية، منظوراً إليها «عقلانية» ذات جذور قديمة ووسيطة وحديثة في الفكر العربي، وقد نتلمسها في فكرنا المعاصر الآن.‏

وهنا نلمس بوضوح أنواعاً مختلفة من الخطابات الفكرية العربية، والكيفية التي توفرت لها لتكون خطاباً يقيناً مرة، وخطاباً ظنياً في الثانية وخطاباً مموهاً في الثالثة، وخطاباً بلاغياً في الرابعة، وخطاباً جدلياً مقبولاً أو معكوساً «واقعياً أو خيالياً» في الخامسة. وهذا هو منطق الجدل في الأنواع الخمسة من الخطاب الفلسفي العربي كما يظهر من أعمال الباحثين في «العقلانية»، وكأنهم جميعاً يركضون وراء سراب، فلا يصلون إلى نهاية مقررة له؛ في ذات الوقت الذي يسعى باحثون آخرون إلى إيجاد صلة بين ما نفهمه من تشريح العقل وتفكيك خطاباته برمتها في الفكر العربي المعاصر وفق مناهج لا تخلو من العاطفة مرة، ومن الوجدانية مرة ثانية، ومن العقلانية فعلاً مرة ثالثة، كما نلاحظ ذلك في دروسنا المختلفة للعقل العربي خارج قراءة التاريخ بمعايير الزمان والمكان، والحقيقة والباطل، والتفسير والتأويل.‏

وهنا الكارثة في التناقض الذي نجده في استنتاجات الباحثين في الخطاب الفلسفي المعاصر والمستقبل، فيصبح هاجس بعض المفكرين استشراف ملا ستؤول إليه الفلسفة العربية، «في حالة إقرار وجودها المعاصر» في المستقبل، ثم نلاحظ محاولة أخرى جريئة في تحقيق تصورات عقلانية مستقبلية قائمة على أسس اجتماعية للواقع العربي الراهن. لكن ذلك كله لم يكبح جماح الرغبة في الوصول إلى فلسفة عقلانية تقوم على مناقشة منطقية جدلية للعقل النهضوي العربي وتحققه مستقبلاً من منطلق التأصيل الفلسفي العربي والحداثة الفلسفية. وهذا المنطق يخالف منهجياً ما نجده في النظرة إلى ما توصل إليه باحثون آخرون اعتمدوا مناهج نقدية للفلسفة أو تاريخية للفلسفة أو تحديث الفلسفة أو استشراف ما ستئول إليه الفلسفة مع اختلاف كبير في فهم النهضة العربية ودور العقل في تقويم دعائم تأسيس «عقلانية» جديدة إن كان من منظور نقدي، أو من منظور تاريخي تراكمي، لإبراز عناصر النمو في العقلية العربية الحديثة، أو من منظور تحديث الفلسفة منهجياً، على الرغم من الواقع العربي الراهن وصور التحدي المختلفة لمسارات الفكر فيه عامة، والعقلانية بوجه خاص، أو من منظور استشرافي للعقلانية العربية التي تقيدها السلطات المختلفة لتنبثق عنها رؤيا جديدة في المستقبل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية