الذي أظهر مؤخراً تراجعاً في تأييده للرئيس باراك أوباما، وتزداد المفارقة كون هذه الولاية قد شكلت معقلاً مهماً للحزب الديمقراطي وإحدى نقاط الضعف الرئيسية للحزب الجمهوري أيضاً.
فقد حاز براون على نسبة 52 بالمئة من أصوات الناخبين مقابل 47 بالمئة لمنافسته كوكلي، في ولاية ليبرالية حكمها الديمقراطيون طوال 57 عاماً، وخاصة آل كيندي من جون إلى تيد الذي توفي العام الماضي.
وتكمن المفاجأة في أن الجمهوريين يشكلون نسبة 12 بالمئة من أصوات الناخبين، فيما يشكل الديمقراطيون 36 بالمئة والمستقلون 51 بالمئة، ما يؤشر إلى تراجع حاد في طبيعة تصويت المستقلين لمصلحة الحزب الجمهوري في الولاية.
وتزداد أهمية هذه الانتخابات كونها تأتي بعيد انتخابات فيرجينيا ونيوجرسي وتمتاز عنهما بأنها تزامنت مع الذكرى السنوية الأولى لانتخابات أوباما من جهة، ومع مشروع إقرار قانون الرعاية الصحية برلمانياً من جهة ثانية، فضلاً عن تراجع التأييد الشعبي للرئيس أوباما، الذي أظهرته استطلاعات الرأي العام الأميركي مؤخراً، ونال بموجبه نسبة تأييد لم تتجاوز الـ 48 بالمئة من الأصوات!!.
ومن شأن نتائج هذه الانتخابات في ولاية ماساتشوسيتس أن تفقد الديمقراطيين السيطرة على مجلس الشيوخ بخسارتهم المقعد الستين في المجلس وحفاظهم حتى تاريخه على 59 مقعداً من مجموع مقاعد المجلس البالغة 100 مقعد، وبالتالي مدى الإرباك الذي تسببه هذه الخسارة وفي المقدمة منع الحزب الديمقراطي الحاكم من القدرة على تمرير قراراته في هذا المجلس وخاصة مشروع قانون الرعاية الصحية الذي تبناه ويدافع عنه أوباما.
صحيح أن للفرد، وتالياً طبيعة المرشح، وماهية حملته الانتخابية دور مهم في الانتخابات ونتائجها، وهذا مالم تمتز به كوكلي التي عادت إلى ولايتها قبل أسابيع قليلة من الانتخابات مستخفة بإمكانيات منافسها براون ومستندة إلى الحجم الانتخابي للديمقراطيين في الولاية وولائها التاريخي للحزب الديمقراطي, لكن الصحيح أيضاً في أن لاتؤخذ انتخابات هذه الولاية بشكل مجرد وبعيداً عن انتخابات سابقة جرت في ولايتي فرجينيا ونيوجرسي، كذلك بعيداً عن استطلاعات الرأي العام التي تؤشر إلى تراجع تدريجي في شعبية الرئيس أوباما، إذ تراجعت شعبية كوكلي تدريجياً ونتيجة لضعف حملتها الانتخابية من تقدمها بفارق 30 نقطة على منافسها براون إلى التساوي في استطلاعات الرأي العام قبيل الانتخابات مباشرة ثم إلى خسارة الانتخابات ونجاح المرشح الجمهوري، هذه المسألة التي استفاد منها براون بالتركيز الكبير على الحملة الانتخابية والاحتكاك الواسع بالشارع الانتخابي (أجرى 60 جولة انتخابية في الولاية، مقابل 19 جولة لمنافسته كوكلي) وعدم تقديم نفسه مرشحاً للحزب الجمهوري فقط، وإنما مرشح للولاية بحد ذاتها، وأضفى على شعاراته الانتخابية الرقم ٤1 (في إشارة منه إلى ضرورة وحتمية خسارة الديمقراطيين ثلثي أصوات مجلس الشيوخ)، الجمهوريون الذين التقطوا هذا النجاح لمرشح حزبهم، وخاصة في ولاية ديمقراطية، أشاروا إلى بدء العد العكسي لتأييد أوباما وعودة حزبهم إلى الواجهة مرة أخرى بعيد عام فقط على خسارتهم الانتخابات الرئاسية.
هذا في الوقت الذي دعت فيه رموز قيادية في الحزب الديمقراطي إلى ضرورة مراجعة وتقييم العام الأول من حكم الرئيس أوباما والاستفادة من استطلاعات الرأي العام ومن خسارة الانتخابات في ولاية ماساتشوسيتس، وأبرزها تصريح السيناتور الديمقراطي ايفان باي: (إذا فقدت ماساتشوسيتس.. هذه ليست دعوة للاستيقاظ، لن يكون هناك أمل في الاستيقاظ أصلاً).
الرئيس أوباما وإن نجح أولياً في وقف تدهور الاقتصاد الأميركي وتبعات الأزمة المالية الأميركية والعالمية، وفي تمرير أولي لقانون الرعاية الصحية على الصعيد الوطني الأميركي، وفي انتهاج سياسة «ليبرالية» على الصعيد الدولي في تعاطيه مع عدد من الإشكاليات الدولية، خلافاً لسلفه جورج بوش وسياسة الكاوبوي التي اعتمدها وتجاهل للمؤسسات الدولية والاتفاقيات العالمية وللآخرين -أصدقاء ومناوئين- لم تسعفه هذه التغييرات وأظهرت آخر استطلاعات للرأي العام تراجعاً كبيراً في شعبيته.
فهل تشكل انتخابات ماساتشوسيتس جرس إنذار للإدارة الأميركية الديمقراطية وتوجهات أوباما، أم إنها ستمثل محطة مراجعة وتقييم لهذه الإدارة وسياساتها الوطنية العالمية أيضاً؟.
باحث في الشؤون الدولية