كإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، فإسرائيل التي تحمست لإرسال مساعدات لهاييتي سرعان ماتبين أنها وجدت في ضحايا الزلزال مناسبة لاتعوض للاتجار بأعضائهم، تماماً كما فعلت بضحايا عدوانها الآثم على غزة العام الماضي.
والولايات المتحدة وكعادتها أيضاً استغلت الكارثة الهاييتية لإحكام قبضتها العسكرية على هذا البلد، الذي لم يكن ينقصه أصلاً زلزال مدمر ليزيد من فقره فقراً أكثر ومن بؤسه بؤساً لايوازيه سوى الاحتلال العلني لهذا البلد الذي يعد بلداً شبه مستعمر من قبل الإمبريالية الأميركية، وبسبب هذا الواقع المعروف بقيت هاييتي بلداً متخلفاً وفقيراً جداً بفعل استنزاف كل مايملك من قبل أباطرة رأس المال الأميركي بالتحالف الوطيد مع شريحة النخبة المميزة الثرية، التي راكمت ثرواتها على حساب هذا الشعب البائس، ولكنه الرافض دائماً للهيمنة الأميركية على وطنه الصغير إن السلوك الإسرائيلي والأميركي في هاييتي المدمرة، لايمكن وصفه إلا بالسلوك اللا أخلاقي واللا إنساني، ولايمكن أن يقدم عليه سوى من اعتاد على ذبح الشعوب واغتصاب حقوقها بدم بارد، ويصبح مشروعاً ماقاله هوغو تشافيز في تعليق تلفزيوني على تصرف الولايات المتحدة في هاييتي، حيث أرسلت 11 ألف جندي مدجج بالأسلحة الميدانية الكاملة، إضافة إلى المروحيات المقاتلة والسفن العسكرية.
قال تشافيز: إن الجنود الأميركيين الذين وصلوا إلى هاييتي كما لو كانوا متوجهين إلى الحرب. لايوجد نقص في الأسلحة هناك، الذي يجب أن ترسله الولايات المتحدة هو الأطباء والأدوية والوقود والمستشفيات الميدانية، وإذا ما أخذنا التصريحات الأميركية لتكون انطباعاً لدى المستمعين لها، وكأنها الدولة الوحيدة التي ترسل المساعدات للإغاثة، ولكن في واقع الأمر تضخم كثيراً بما تقدمه من مساعدات وتخفي طبيعة مهام جنودها، الذين لم يأتوا إلى هاييتي إلا لاحتلالها بشكل كامل.
ولو لم يكن كذلك لما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما مضطراً للتصريح بصوت عالٍ بمناسبة تعيين الرئيسين الأميركيين السابقين كلينتون وبوش الصغير كرئيسين لحملة جمع التبرعات لسكان هاييتي، عندما قال: «إن هذين الرئيسين يرسلان رسالة واضحة إلى شعب هاييتي والعالم بأن الولايات المتحدة في اللحظات الحرجة موجودة بقوة وبصف واحد علماً أن هذين الرئيسين بالتحديد هما أكثر من يتحمل مسؤولية دمار هذا البلد وموت أبنائه في مختلف المراحل التي تعرضت لها هاييتي.
ففي ظل إدارة كلينتون وبوش تم سلب إرادة الشعب الهاييتي، بفعل المكائد السياسية والتدخلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، والتي كانت سبباً رئيسياً لعدم استقرار هذا البلد، ما حال دون تمكنه من ولوج طريق التنمية، فبقي شعباً فقيراً ومتخلفاً ومقموعاً.
عندما جاء كلينتون إلى البيت الأبيض كانت هاييتي تعيش حالة من القلاقل بسبب الانقلاب العسكري الذي دبرته وخططت له الولايات المتحدة على أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي، الكاهن الذي ترك رهبنته وتحول إلى شخصية سياسية معروفة في هاييتي. الرئيس جان بيرتران أريستيد، الذي نفي بعد ذلك إلى خارج البلاد، واعتقدت واشنطن أن أريستيد سياسي راديكالي يهدد المصالح الأميركية في هاييتي ومنطقة الكاريبي وجاءت بحاكم عسكري سرعان مالاحظت واشنطن أنه مرفوض من قبل الشعب الهاييتي، الذي نظم مظاهرات واسعة ضده وبدأ عرشه بالاهتزاز وعندما طلبت منه أميركا الرحيل رفض ذلك، ففرضت على هاييتي عقوبات اقتصادية ودمرت الصناعات التصديرية التي كانت في مراحلها الأولى، وعندما بدأ الجنرال راؤول سيدراس -بوصفه حاكماً للبلاد- بإجراء بعض الإصلاحات نزولاً عند رغبة الجماهير الفقيرة وحفاظاً على حكمه أرسلت أميركا قواتها العسكرية وأساطيلها فأرغمت الجنرال سيدراس على الرحيل، وأعادت إلى السلطة أريستيد الذي وعد واشنطن باحترام مصالحها في هاييتي والكاريبي وأنه سيعمل وفق ماتريده، ولكنه لم يفِ بوعوده تماماً استجابة لرغبة الشعب الغاضب، فحقق فوزاً ساحقاً في الانتخابات التي جرت في تشرين الثاني عام 2000 وبدأت الولايات المتحدة في عهد إدارة بوش بفرض العقوبات الاقتصادية على هاييتي واتبعت سياسة الحصار والتجويع ضد الشعب وقطعت مساعداتها عنها ومنعت المساعدات الأجنبية من الوصول إلى هاييتي، ووصل الوضع في هذا البلد إلى حالة لاتطاق من الفقر والبطالة والجوع، فحركت واشنطن حلفاءها من الأثرياء محرضين البسطاء من الناس.