تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مصيرية الصراع وخيارات المقاومة والعمل السياسي

شؤون سياسية
الأربعاء 27-1-2010
د. أحمد الحاج علي

المهم كل المهم هو أن نكون في مناخ العمل المناسب في الوقت المناسب وهذا مايوجب أن نتخلص من نزعتين مستبدتين فينا حتى اللحظة، نزعة الخيار المطلق المسدود والتي تستدرج التناقضات المجانية والخيارات الوهمية ونزعة الاتجاه الأحادي

بحيث نشتغل بسلاح ونرقن قيد الأسلحة الأخرى، إن لدينا في التداول الحي موضوعاً سياسياً هو قصة العالم وهو جوهر الخطر، فلا نحن محليين بالموقع، ولاقضية الصراع مع العدو الصهيوني محلية وبالمحصلة فإن أسلحتنا جميعاً يجب أن تدخل ميدان المعركة بالتوازن والتوازي معاً وبالاستمرار والتفعيل معاً عندها يكتسب كل سلاح مواصفات وقوة تأثير من المنظومة الكاملة في المواجهة، لعلنا هنا نصل إلى بيت القصيد حول مقولة السلاحين المهمين، أعني المقاومة والعمل السياسي، ومازلنا في السياسات العربية نفرق بينهما ثم ننضوي في نفق ضيق ندور على ذاتنا ونثور على ذاتنا بإيقاع نمطي متشنج حتى ليكاد بعضنا يلغي البعض الآخر، فهناك من يطرح الخيار العسكري بكل مستوياته من الحرب إلى التصنيع الحربي إلى المقاومة الشعبية شريطة ألا نهتم بالعمل السياسي، وهناك- وهذا هو المكمن الأخطر في المسألة- من طرح منهج العمل السياسي أي التفاوض والحوار واللقاء دون مقدمات أو نتائج ولكن بشرط أن نغلق الأبواب تماماً على العمل العسكري والمقاومة، إننا اخترنا صيغة التناقض بديلاً عن منطق التكامل دعونا ندقق في هذا النص للرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه الله حيث يقول: (يبدو أن هناك في هذا الوطن العربي من فهم العمل السياسي على أنه يعني أن نرمي كل أسلحتنا الأخرى، وعلى أنه بالضرورة يعني أن نصل إلى حل أي حل.. إن العمل السياسي كما نفهمه ضرورة لابد منها، سلاح مهم، والعمل السياسي يجب أن يهدف إلى تحقيق حل، ولكن ليس أي حل، إنه الحل المشرف الكريم، الحل الذي يضع الأمور في نصابها، الحل الذي يحقق العدل ولاشيء غير العدل.. ومن أجل هذا الهدف نفهم العمل السياسي والعسكري، وكم أتمنى أن نكون جميعاً في الوطن العربي الكبير يقظين كل اليقظة لكي نمارس العمل المناسب في الوقت المناسب، فلا تضيع الفرص المناسبة).‏

مباشرة تفرض الحقائق نفسها وما أشبه اليوم بالبارحة، بل ما أشد الحاجة لكي نعود إلى الأصول في مرحلة تشهد من التعقيد والفوضى مالم يكن بالحسبان، هذا هو قانون الحياة يتمثل في تكريس الحقائق وفي وضع الأمور في سياقها ونصابها وفي فتح الأفق بكامله وعلى مداه أمام فعاليات المواجهة مع العدو الصهيوني، ولعل منطق الأمر يفرض نفسه هنا وهو يحتاج إلى تثبيت النقاط الثلاث التالية:‏

1- أن تكون الصورة واضحة ونحن نعيش الصراع ونكتوي بناره وندرك مسؤولياته ونربط مصيرنا ومستقبلنا بتحولاته، منعاً لاستغراق الوهم لقضايانا واللهاث خلف الشارد والوارد من الأفكار والمشاريع التي تشتق منطقها وهويتها من الحال العربي المتردي والمتآكل، هذه نقطة جوهرية نحن والصراع في مركب واحد وفي موكب واحد ولايعقل أن تطرح حلول يكون فيها فناؤنا ولايعقل أن نتشنج ونرتقب حتى يأتي المجهول والمفاجئ بحلول سحرية لهذا الصراع، لعلنا ندرك الآن أن السياسات العربية لاتتعايش مع فكرة تلازم الوجود العربي والصراع، وقد ساعد تطاول الزمن والإدمان على التبعية على أن نتوهم بإمكانية الوجود القطري على حساب القومي والتسوير الوطني الملفق على حساب العمل المشترك والمصير المشترك ونعرف أن هناك من يقول إن العرب لاقبل لهم بالعمل العسكري، يقصدون أن الاستسلام هو الفرصة المتاحة ولابد من اغتنامها، ونفهم لماذا يطرح البعض أن أوراق الحل للصراع هي بيد أميركا وملحقاتها وبأن كل شيء لابد أن يكتسب صفة التحريك وليس التحرير.‏

إن العدوان من السياسات العربية لايزال قائماً على فكرة جوهرية، الصراع ومصيرية هذا الصراع لذا يشهد واقع الحال أننا نسجل نحن العرب أعلى وأشأم منسوب سياسي شهدته الأمم وهي تدفع الخطر عن نفسها، وحدنا- نحن العرب- الذين نتناقض على الصراع وليس في الصراع إلى درجة أننا نقلنا كل المعايير والحسابات إلى ذاتنا، صرنا نتصارع مع أنفسنا وفيما بيننا على حساب المجهود الأكبر والخيار الأعلى حيث الصراع العربي هو مع العدو الصهيوني.‏

2- لدينا من الواقعية مايؤهلنا لإدراك الحالة التاريخية القائمة في العالم ونعرف مدى علاقة الغرب بالصهيونية ونتابع مواقف كل الدول في أقاليمها وهذا الوعي بحالة العالم وتشابكاته يرتب علينا أن ندخل الصراع بالأسلحة المادية والمعنوية، المتوفرة والكامنة، والعمل السياسي هو خيار مهم، لكنه دون قيمة إذا ما انفصل عن البنى التأهيلية في الإعداد والاستعداد العسكري والمقاوم، ولم يكن هذا الاتجاه اختياراً، لمجرد الاختيار فنحن لسنا من دعاة الحروب ولا من هواة المغامرات إنما نريد أن تفهم الأطراف الأخرى أننا نملك، وأننا قادرون وأن البديل عن غياب السلام هو خيار الحرب، والغريب في الأمر أن الكيان الإسرائيلي والقوى الداعمة له تستوعب ذلك وتبني تعاملها معنا على هذا الأساس في مسعى واضح يؤكد أن الكيان الإسرائيلي غير قابل لهزيمته عسكرياً.‏

إن المقاومة والعمل العسكري والعوامل المعنوية والمادية الأخرى هي منظومة متكاملة، الأصل فيها وحدتها العضوية وتنظيمها لنسق موحد منسجم، عندها يفهم الطرف الآخر أننا أقوياء وأصحاب حق ونحن نشتغل بالعمل السياسي وأننا أقوياء وأصحاب حق حينما تفرض علينا الأعمال القتالية ومازال درس الجنوب وغزة يشع ويتوالد والتجربة ماثلة وحية أمام الجميع.‏

3- بقي أن نتخير في ذاتنا ولذاتنا منهج التعبير عن حقائقنا وأن نشتق لذلك الخطاب السياسي والإعلامي المناسب فلا نضع السيف موضع الندى ولا نضع الندى موضع السيف ونعرف أن نقطة البدء هي ذاتنا القومية ولابد من استكمال شروط الوعي وبناء نظام الأولويات فيها والاستناد في ذلك كله إلى قوانين الصراع القائم والتي تشتمل على مواصفات المصير والكرامة والمصلحة والمنطق التاريخي، إن علينا أن نقول للآخرين نحن أمة، صحيح أنها منكوبة ولكنها تستوعب درس التاريخ وتستطلع آفاق الخطر القادم وتمتلك خزاناً لاينضب من الوفاء والعطاء والتضحيات، ونحن قادرون إن أردنا أن نبلور رؤيتنا ونستثمر زمننا ونصوغ موقفاً شاملاً يعرف كيف يتعامل مع الحدث الخطر والموقف الصعب ومنه يجترح النصر النهائي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية