فقد تم تشكيل لجنة برئاسة جون تشلكوت (وهو من كبار الموظفين السابقين في الحكومة) بهدف القيام بتلك المهمة، وإزاء ذلك فإن التحقيق لن يفضي إلى إدانات قضائية، وسيتم التعامل مع المستجوبين بكل هدوء وروية، ولن تستخدم به أي من الأساليب القمعية، وخاصة عندما يمثل رئيس الحكومة البريطانية السابق توني بلير أمام تلك اللجنة في التاسع والعشرين من كانون الثاني لهذا العام.
إن الأسباب الداعية لتحقيق هذا الموضوع لم تقم على كون بلير أحد القادة الرئيسيين الذين دعوا لخوض الحرب فحسب، بل لوجود القناعة بأن ما ذكره عن دوافع الحرب ومبرراتها لم يمثل الحقيقة كاملة سواء عندما تقدم بشهادته أمام لجان التحقيق السابقة، أو فيما أدلى به في مئات المقابلات التي أجريت معه، حيث نأى بنفسه عن تقديم تفسير مقبول عن سبب اتخاذه قرار الحرب سوى القول بأن ثمة ضرورة ملحة للقيام بها، ولم يبين الأسباب التي دعته إلى بذل قصارى جهده لإقناع الآخرين بمشروعيتها.
قبل عيد الميلاد الفائت، قال بلير في مقابلة له مع قناة البي بي سي بأنه كان يرغب بخوض الحرب على العراق حتى ولو كان على ثقة تامة بعدم امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، لأن لديه اعتقاد جازم بضرورة إسقاط النظام في هذا البلد، الأمر الذي دعاه إلى استخدام ونشر البراهين التي تثبت خطره، وبتقديرنا فإنه سيدلي باعترافات أكثر دقة عندما يمثل أمام لجنة التحقيق لكنني لست متأكدا من ذلك.
ثمة توقعات من قبل الصحفيين والمعلقين حول ما سيدلي به بلير بشهادته، على الرغم من أن الكثير منهم سبق وأن وقف إلى جانبه مؤيدا تلك الحرب، وذلك في محاولة منهم التراجع عن تواطئهم معه في تلك الفترة بادعاء وقوعهم في شرك خداعه. وأخذوا الآن يصورنه بأنه لم يعر اهتماما للمعايير الأخلاقية والقانونية وأن ما حمله على اتخاذ قرار الحرب لم يكن سوى تبعيته لرئيس الولايات المتحدة وقد آن له اليوم أن يستبدل روايته حول امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل برواية أخرى.
لقد سبق وأن عملت في الداوننغ ستريت منذ عام 1998 وحتى 2001، وعلى الرغم من تركي لهذا العمل قبل الإعداد للحرب فقد كنت على اطلاع بأن بلير يتعامل مع الأمور على أساس كونها أبيض أو أسود دون ان يترك بينها مساحة رمادية، وبذلك ضرب صفحا عما يبديه الآخرون من آراء لا تتفق مع وجهات نظره وصمم على تنفيذ ما يعتقده صوابا ويمثل بنظره حاجة ملحة.
في حالة الحرب على العراق، يعتقد بلير بأن العالم سيكون أكثر أمنا دون صدام حسين، ذلك ما كان يؤمن به قبل هجمات 11 ايلول، وإننا إذا ما عدنا بالذاكرة الى ما أدلى به بلير بعد ثلاثة أسابيع من الهجوم على مركز التجارة الدولي سنجده قد قال: «لقد جرى تدمير البرجين، وصهر المعدن فيهما، ولا ريب بأن بناءهما سيعاد من جديد، والآن يتعين علينا إعادة ترتيب العالم من حولنا». لذلك فإن تغيير النظام في العراق ليست بالفكرة الجديدة التي طرأت على توني بلير في عام 2003، إلا أنها ترسخت لديه عندما دعا جورج دبليو بوش إلى إبعاد صدام عن طريق استخدام القوة. وقد توقعت في حينها ان ينهج بلير نهجا آخر، ويبدو أنه رأى بأن فشل بوش يعني فوز الرئيس العراقي الذي سيعمد الى إذلال الولايات المتحدة وتحريك الرأي العام العالمي ضد رئيسها وإجباره على التراجع عما يزمع القيام به، وإزاء ذلك لم يتردد بلير عن تأييد بوش.
لقد كان بلير على ثقة تامة بأنه لن يتمكن من إقناع الرأي العام البريطاني باللجوء الى الحل العسكري للقضاء على صدام، لكن بوش دفع به الى اتخاذ هذا الموقف، لذلك عمد إلى إعداد تبرير لمشاركته بالحرب على أساس أن صدام يسعى إلى تطوير وتفعيل أسلحة الدمار الشامل، ولوجود طموحات نووية لديه وتلك الادعاءات مكنت بلير من تحقيق ما يصبو التوصل إليه.
إن كنت على صواب فيما سأقوله فإن بلير يعتقد بأن موقفه من الحرب كان أخلاقيا، وأن ما أطلقه من مبررات للدفاع عنها كانت أخلاقية أيضا. وبذلك من الأفضل له أن يذكر هذا الاعتقاد أمام لجنة التحقيق، لكنني أرى بأنه لن يفعل هذا الأمر لأن تلك الإفادات ستشكل دليلا ضده على أساس «من فمك أدينك». وثمة عبارة مشهورة لونستن تشرتشل أثناء الحرب العالمية الثانية وهي «إن ذكر الحقيقة أمر جميل، لكن علينا حراستها بالعديد من الأكاذيب» لكن بلير لو اعتمد على تلك المقولة فلن يجد لها قبولا من وسائل الإعلام او التاريخ. أما منتقدوه فهم يأملون رؤيته يحاسب على ما اقترفته يداه، ومن المحتمل أن يخيب ظنهم، ولا يقدم أي تبرير عما قام به لأن قول الحقيقة سيجعل النظرة إليه على أنه سياسي مخادع وكذاب مما سيضطره بعدها للاعتذار عما ارتكبه من أفعال.
بقلم:لانس برايس